في ظلال المشهد المسرحي

لا مسرح بلا تعليم وإعلام

لا مسرح بلا تعليم وإعلام

لم يعد المسرح السعودي اليوم مجرد خشبة عرض تجمع ممثلين وجمهوراً، بل أصبح فضاءً نابضاً بالحياة يعكس روح الوطن وتحوّلاته الكبرى. ومع رؤية المملكة 2030، التي جعلت من الثقافة والفنون إحدى ركائز برنامج جودة الحياة، تحوّل المسرح من نشاط محدود إلى مشروع وطني شامل يهدف إلى بناء الوعي، ورعاية المواهب، وتقديم محتوى ينافس عالميًّا، ويُترجم هوية المملكة الحضارية بروح عصرية.

ولكي يبلغ المسرح السعودي قمّته، فهو بحاجة إلى أربعة مسارات متكاملة تصنع معاً مشهداً مسرحياً ثرياً، يتكئ على التعليم، ويتنفس عبر الفضاء العام، ويتحدث بلغة الإعلام الرقمي، وينبض بوعي المجتمع.

المسار الأول: المسرح التعليمي… حيث تبدأ الحكاية
في مقاعد الدراسة، تتفتح المواهب وتولد الأحلام. فالمسرح المدرسي ليس مجرد نشاط جانبي، بل مختبر لصناعة جيل يعرف معنى التعبير والإبداع والعمل الجماعي. ومن هنا جاءت مبادرة المسرح المدرسي التي أطلقتها هيئة المسرح والفنون الأدائية بالشراكة مع وزارة التعليم عام 2023 لتدريب آلاف المعلمين على أسس التربية المسرحية. هذه المبادرة جعلت المسرح جزءاً من المنهج التربوي، لينشأ جيل يعي أن الإبداع ليس رفاهية بل مهارة حياة.

المسار الثاني: المسرح العام… فضاء الجمهور واتساع الأفق
لا يمكن للمسرح أن يعيش في الظل. فهو يحتاج إلى فضاء عام، ومسارح مجهزة، وصالات عرض حديثة تحتضن الأعمال وتقرّبها من الجمهور. هنا يبرز دور هيئة الترفيه ومشاريع ضخمة مثل القدية وبوليفارد الرياض، التي أسهمت في بناء مسارح عالمية تتيح للجمهور تجربة مسرحية متكاملة. هذه البنية التحتية ليست مجرد أماكن، بل منصات للإبداع، تحتضن عروضاً محلية وعالمية تعكس التنوع الثقافي وتفتح آفاق التفاعل الحضاري.

المسار الثالث: الإعلام الرقمي… المسرح بلا حدود
في عصر الإعلام الرقمي، خرج المسرح من أسوار القاعات إلى فضاءات لا تنتهي. فبفضل القنوات الفضائية والمنصات الرقمية، بات بإمكان الجمهور في كل مكان مشاهدة العروض المسرحية، ومتابعة تجارب مسرحية محلية وعالمية بضغطة زر. كما أسهمت المهرجانات، مثل مهرجان البحر الأحمر السينمائي، في إلقاء الضوء على المحتوى المحلي وإيصاله إلى الجمهور العربي والعالمي. هذا الانتشار الإعلامي حوّل المسرح إلى لغة مشتركة عابرة للزمان والمكان.

المسار الرابع: الوعي المجتمعي… الجمهور هو البطل الحقيقي
مهما بلغ إبداع المسرح، فلن يكتمل سحره دون جمهور يعي قيمته ويؤمن بدوره. وهنا يظهر أثر برنامج جودة الحياة الذي فتح أبواب الترفيه والثقافة لكل شرائح المجتمع. لم يعد حضور العروض المسرحية مقصوراً على النخبة، بل أصبح نشاطاً عائلياً يعزز الروابط الاجتماعية ويصقل الذائقة الفنية. ومع الحملات التوعوية وبرامج الهوايات مثل هاوي، يتسع الأفق لمجتمع يرى في المسرح منصة للتعلم، وللتعبير، وللاحتفاء بالجمال.

إن رؤية المملكة ليست شعاراً يُرفع، بل مشروع حياة يلمس تفاصيل الواقع. ففي قطاع المسرح والفنون الأدائية، تجاوز الطموح حدود العروض الفنية، ليصنع صناعة متكاملة تُسهم في الاقتصاد الوطني، وتخلق فرص عمل، وتمنح الفنانين فضاءات جديدة للإبداع. الأرقام تتحدث: أكثر من 38 مليون زائر للفعاليات الثقافية والترفيهية حتى عام 2022، و450 ألف وظيفة متوقعة في القطاع بحلول 2030. هذا الحراك الضخم يجعل من المسرح السعودي رافعة ثقافية واقتصادية في آن واحد.

مسرح يصنع وعياً ويحتفي بالحياة
وهو ليس خشبة وصوتاً وإضاءة، بل قصة وطن تُروى كل ليلة بصوت جديد. ومن خلال تفعيل التعليم، وتوسيع فضاءات العرض، والانفتاح الإعلامي، وتعزيز الوعي المجتمعي، يسير المسرح السعودي بخطى واثقة نحو عالمية مستحقة. إنه مسرحٌ بحجم رؤية، ورؤية بحجم وطن يؤمن بأن الثقافة ليست ترفاً، بل قوة ناعمة تصنع المستقبل.

الكاتبة المسرحية / أ. أماني الزيدان

 

 

اماني سعد الزيدان

كاتبة رأي ورواية مسرحية ومشرفة على في ظلال المشهد المسرحي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى