كُتاب الرأي

لا تكشف نفسك

لا تكشف نفسك

كثيرًا ما يدعو لنا أو ندعو نحن لأشخاص تربطنا بهم علاقات اجتماعية مختلفة بالسِّتر كأن نقول: “روح الله يسترها معك دنيا وآخرة”، نعم إنها نعمة الستر التي أنعم الله بها علينا، بل أبعد من ذلك فقد خصَّ المولى -عزَّ وجل- نفسه بهذه الصفة في أسمائه الحُسنى؛ ذلك أنه “حييٌّ ستِّير”.
ومع التطورات المتسارعة للإعلام الإلكتروني وظهور وسائل التواصل الاجتماعي أخذت العديد من سلوكات مختلف فئات مجتمعنا في التغير تارة وفي الاضمحلال تارة أخرى نتيجة الانقياد الأعمى لهاته الوسائل دون العودة إلى مرجعياتنا الثقافية والدينية على وجه التحديد، فأصبحنا نستيقظ على خبر زواج ممثلة شهيرة من شخصية مرموقة هي الأخرى، وهما يشاركاننا من خلال الصور والفيديوهات تفاصيل حياتهما أولًا بأول، بدءًا من حفل الخطوبة ثم العرس وشهر العسل وغيرها.. أو على خبر طلاق أحد النجوم أو النجمات ومسارعتهما إلى نشر غسيل بعضهما بالدليل والبرهان على مرأى متابعيهم ومتصفحي مختلف الوسائط غير آبهين لقدسية الرابط الذي كان يجمعهما، خاصة إذا كان هذا الرابط قد أسفر عن وجود أبناء بينهما.
ونفس الأمر ينطبق على من يُسمون أنفسهم بالمؤثرين الاجتماعيين ممَّن اتخذوا من منصات التواصل الاجتماعي منبرًا للحديث في أعراض الناس وفضحهم وابتزازهم بفيديوهات أو صور أو تلميحات كلامية كالتهديد والسَّب والشتم وغيرها..
في الجانب المقابل يعمد كثير من الشخصيات العادية إلى تصوير الجانب المضيء والوردي في حياتهم، فتجدهم يتفننون في مشاركتك أشهى الأطباق والمأكولات والأماكن السياحية، ويشاركونك الأشياء الجميلة الأخرى، فتخلو بذلك منشوراتهم من الأخطاء والأسرار غير المرضية بطريقة تجعلك تتصور حياتهم نعيمًا وتتمنى لو كنت مكانهم.
في الأخير، ولأن الله قد سترك فلتتباهَ بنعمه على الملأ ولا تفضح نفسك، إن أذنبت استغفر، وإن كان ذنبك عظيمًا فلا تخبر به أحدًا غير ربك؛ ذلك أن نبينا الكريم -عليه الصلاة والسلام- قد أوصانا بالسِّتر قائلًا: “كل أمَّتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المُجاهرة أن يعمل الرجل باللَّيل عملًا ثم يصبح وقد ستر الله عليه فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربُّه، ويصبح يكشف ستر الله عنه”. رواه البخاري في صحيحه.
إن العاقل من يعرف أن الله ستره فلا يكشف نفسه، ولا يعترف بنقصه أو ذنبه، وهذا هو الفعل الصحيح في هذه الحال، وفي الوقت نفسه يستشعر محبة الله له ونعمة الستر عليه ومالها من تأثير في تقبل ذواتنا في رحلة البحث عن الكمال والاتزان.

عبدالعليم مبارك

عبدالعليم مبارك سيد

كاتب رأي مصري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى