لا تستفز هدوء الأبطال

استفزاز الأبطال عواقبه غير محمودة، فالاستفزاز وحده بمثابة إعلان حرب! ما بالك عندم يكون المستفَزُ بطلاً! هذا ما حصل للمنتخب السعودي قبل مباراة العراق الشقيق ،عندما صرح نائب رئيس الاتحاد العراقي يونس محمود بطريقة ساخرة حول ما إذا كان يستطيع المنتخب السعودي أن ينافس على اللقب وقتها استخدم الضحك كأسلوب للرد بطريقة فوقية تنبئ عن حجم الانتقاص الكبير لمقدرة اللاعبين السعوديين في الزحف نحو المنافسة على لقب بطولة خليجي 26 الذي تجري فعالياته هذه الأيام على أرض الكويت الشقيقة أرض آل الصباح العريقة ، فبعد تلك السخرية أخذ الموضوع منعطفًا آخر ، فاشتعلت الحماسة في نفوس أبطال الأخضر، ثم ثارت براكين الغيرة على الوطن ، فانقض الصقور بالتناوب واحدًا تلو الآخر فراحوا يمزقون شباك جلال حسن بكل شراسة وبلا هوادة، نعم لقد أمطر الصقور مرمى جلال بأهداف كأنها حجارة من سجيل ، أحرقت قلب الساخر وشتت أفكاره، ودمرت أمانيه، وأحلامه ، ثم اقتلعته عاصفة الصقور الخضر بكل ما أوتيت من قوة لترسله إلى حيث بغداد الشماء ، لقد كان درسًا قاسيًا نسجه سالم ورفاقه، وسطره الحمدان وزملاؤه، أبناء سلمان الحزم قدموا الدروس تلو الأخرى في الغيرة والحماسة والأخلاق ، قدموا أروع الأعمال في كيفية أن يكون الوطن خطًا أحمر حتى لو كان الأمر متعلقًا بالرياضة.
إنّ الكرامة محفوظة ومصانة وغير مسموح لأي كان أن يمسها بسوء، أعني بها كرامة الوطن ومكانته واسمه وشعاره، غير مسموح مطلقًا أيًا كانت الاعتبارات ومهما كانت المسميات والألقاب التي يحملها المنافسون.
من جملة النصائح التي يتعين على المرء حفظها وفهمها جيدًا! أقول حفظها وفهمها! لا تستفز هدوء الأبطال، فداخلهم براكين نشطة حتى وإن بدا لك أنها خامدة، يمكن لها في أي لحظة أن تقذف حممها اللاهبة فتحرق الأرض وتشوي الوجوه والأقدام، وهذا ما كان عليه الصقور الخضر، انتزعت مخالبهم أحشاء الكبرياء وفتكت بأجنحة الانتقاص، وعبثت بأعين الفوقية، فلم يعد لأصحابها القدرة على المواجهة فخرّت قواهم صريعة وسقطت الأنفة ودُفِن الاستكبار.
لقد جاء الرد قاسيًا وغليظًا، لم يترك الصقر الجارح فرصة لطائر اليمام حتى يفرح بهديله.
جملة من الدروس أُعطِيَتْ داخل المستطيل الأخضر، سطّر نجوم الوطن أروع الملاحم الكروية وتركوا للبقية المشاهدة فحسب.
أعتقد أننا لم نكن بحاجة إلى مثل تلك التصريحات غير الناضجة التي تخلو من المسؤولية والدبلوماسية، خاصة أنها صدرت من مسؤول رفيع في الاتحاد العراقي ما كان يجب عليه أن ينطق مثل تلك العبارات، كونها لم ترتق للمستوى المأمول ولم يوفق في التعبير، لذا إن كانت الرغبة جامحة في الانتقام والدافع كان شخصيًا، فلا يجب أن يصل الأمر إلى محاولة تأبيد الضرر على الخصم أو تعمد إلحاق الأذى به حتى لو باللفظ فإنه من أبلغ أدبيات الأخلاق الرياضية احترام المنافس خاصة عندما يقف الواحد على بعد عتبة واحدة من الرئاسة.
كان من الواجب التحلي بروح المنافسة الشريفة بين المنتخبين العريقين والرد بأسلوب لائق ومهذب يحترم تاريخ كل منتخب، فالمنتخب السعودي يعتبر فارسًا عملاقًا بين منتخبات الاتحاد الدولي لكرة القدم ومن أنجح الفرق العالمية ولديه سجل حافل بين الفرق العربية في الوصول للتظاهرة العالمية، ويملك تاريخًا مشرفًا على مستوى القارة الآسيوية بما أنه بطلاً لآسيا ثلاث مرات وثلاث مثلها حلّ وصيفًا.
ختامًا:
للأسف بعض الناس حين يتكلمون فإنّ منهم مَنْ ينحرف عن مسار الكلام إما لكبر في نفسه أو لخبث فيها فلا يحسن في القول ولا يلتزم بمبادئ التهذيب اللفظي فتخرج الكلمة من فيهِ كالرصاصة لتصيب القلوب فتدمرها ويحدث الألم وتنقسم النفوس وتتباعد القلوب، فلا يعد بوسع صاحبها رأب الصدع وخياطة الجرح.
إنّ نوافل القول قد تحطم مستقبل الإنسان دون أن يعلم، وتزيح القلوب عنه، فكم من ألفاظ أسقطت أصحابها بفعل الحماس الفائض عن الحاجة وكم من أقوال قذفت بأهلها إلى هوامش الإهمال، فأصبحوا منبوذين غير مرحب بهم، فليتنبّه كل واحد لزلات اللسان، ولينتبه من سقطات القول، وينبذ المزاح المفرط ويبتعد عن السخرية وسقط الأقوال فإنّ فلتات اللسان عواقبها وخيمة وخواتيمها بشعة وشنيعة، فلا ينفع معها أسف ولا يتخطاها النسيان.
علي بن عيضة المالكي
كاتب رأي