كيف يحول المخرج المسرحي النص إلى تجربة حسية ساحرة ؟

كيف يحول المخرج المسرحي النص إلى تجربة حسية ساحرة ؟

المسرح هو لقاء بين الكلمة والحركة، بين الخيال والواقع، وبين الكاتب والمخرج،  فالنص المسرحي ليس مجرد كلمات مكتوبة على الورق، بل هو البذرة التي ينمو منها عالم كامل على خشبة المسرح، وهنا تأتي أهمية المخرج، الذي يتحمل مسؤولية تحويل هذا النص إلى رؤية بصرية وصوتية تمس المشاعر وتخاطب العقل…..

كما قال المخرج البريطاني سام مينديز: “المسرح هو فعل قبل أن يكون مكانًا”، مؤكدًا أن المسرح ليس مجرد موقع أو مساحة، بل هو فعل حي ينبض بالإبداع والتفاعل بين الممثلين والجمهور.

العلاقة بين النص المسرحي والمخرج علاقة تأثير متبادل وإعادة ( تفسير إبداعي ) فالمخرج هو من يحيي النص ويحوّله إلى واقع مرئي من خلال رؤيته الخاصة، فكل مخرج قد يقرأ نصًا واحدًا بشكل مختلف، ليخرج كلٌ بعمل مختلف تمامًا ،التفسير الإبداعي يضفي على النص حياة جديدة. كما قال بدري حسون فريد: “المخرج المسرحي يكون في أحسن حالاته عندما يكون أمينًا، مفسرًا، مبدعًا

لكي تكون هذه العلاقة مثمرة، يحتاج المخرج إلى فهم عميق للنص، وتحليل الشخصيات ودوافعها، واستشراف الرسالة التي يريد الكاتب إيصالها. كما يتطلب الأمر حساسية فنية لإيجاد التوازن بين احترام النص وابتكار لغة مسرحية جديدة. أحيانًا يضطر المخرج إلى تعديل أو اختصار بعض المشاهد، أو إعادة ترتيب الأحداث، لتحقيق تفاعل الجمهور والوصول إلى الجوهر الفني للنص.

(النص المسرحي والمخرج ) يشكلان ثنائيًا متكاملاً؛ فالنص يعطي المخرج الأساس الفكري والفني، والمخرج يترجم هذا الأساس إلى تجربة حسية ملموسة. وهذا التلاقي بين الكلمة والرؤية هو ما يجعل المسرح مساحة للإبداع، والتجديد، والانفعال الإنساني العميق. كما قال الكاتب المسرحي جان بول سارتر: “أينما كان هناك مجتمع إنساني، تتجلى روح المسرح التي لا يمكن كبتها.”

وعلى خشبة المسرح، يحوّل المخرج عناصر النص إلى تجسيد ملموس؛ من خلال الإضاءة، المناظر، الديكورات، والصوت، ليخلق تجربة بصرية وحركية وسمعية تنقل الجمهور إلى عالم النص. كما قال المخرج محمد حسين حبيب: “المخرج هو الذي تقع عليه مسؤولية تحويل النص إلى واقع مرئي، من خلال رؤيته الخاصة، وتفسيره للنص.”

المخرج هنا يربط بين جميع عناصر العمل المسرحي: (الممثلين، التصميم، الإضاءة، الصوت)، ويُنسق بينها لخلق صورة موحدة، ويضع رؤيته الإخراجية التي تكون الموجه الأساسي لجميع عناصر الإنتاج، مما يسمح بتقديم العمل النهائي بطريقة مميزة. يمثل النص مصدر إلهام للمخرج لإظهار إمكانياته الإبداعية، وقد يدخل أحيانًا في صراع مع النص لتطوير رؤية تحقق المعنى المطلوب.

باختصار، يمكن القول إن المخرج هو “القارئ المبدع” للنص، وهو من يُحوّل النص المكتوب إلى تجربة حسية حية للمشاهد، في علاقة تكامل وتناغم مستمر بين النص والمخرج، تجعل المسرح مساحة دائمة للإبداع والانفعال الإنساني العميق.

بقلم الكاتبة المسرحية أ/ أماني الزيدان