كُتاب الرأي

كيف نصعد سلالم النضج

 

كيف نصعد سلالم النضج
لقد أسهم علماء النفس في دراسة سلوك الإنسان ، وما يطرأ عليها من تغير بسبب المواقف والأحداث وتراكم الخبرات، ومايمر به في مراحل حياته من أزمات ومآسي، وأفراح وأحزان، ونجاح، وإخفاق، ومحبة وكراهية، وقبول ونفور وهمّ وسعادة وكدر وانشراح ، كما أنهم أسهبوا في دراسة التغيرات الفسيولوجية التي تطرأ عليه منذ ولادته حتى وصوله إلى المستوى الزمني الذي يجعله في حالة ركون تام. وحسبنا في هذا المقال أن نسلط الضوء على نضج الإنسان وصعوده سلالم الوفرة العقلية واستقراره في مواطن النضج الانفعالي.
إذن : لقد آمن علماء النفس أن النضج هو توافق شديد ومحكم بين الوظائف العقلية والفسيولوجية والروحية، والاجتماعية والجسدية ، وهم بذلك يؤكدون أن هناك مرحلة عمرية يصل إليها الإنسان يرتقي فيها للحد الذي يجعله يفهم الحياة بجميع تفاصيلها المتناقضة منها والمتفقة، المختلفة ومحل الخلاف، مرحلة يجد فيها نفسه تتحكم في الاندفاع، والحماسة، مرحلة حساسة للغاية تجعله يفصل بين ما يمكن إدراكه والركض لتحقيقه وبين ما يمكن إهماله والسعي لتهميشه، عمْرٌ زمني يجعله يعسف التهور تحت أقدام الهدوء.
وقت يصل فيه إلى الاستقلالية المطلقة في اتخاذ القرارات المتعلقة بالمصير ، كل ذاك بمعزل عن تأثير الآخرين، أو مدى نظرتهم له، أو قبولهم لما يفعله ، أو حتى رفضهم لما يمارسه.
أي أنه يبرهن للجميع أن الإنسان كلما ارتقى في سلالم النضج أصبح أكثر هدوءًا،وأكثر سكينة ، وابتعد عن الضوضاء، ونأى بنفسه عن الخوض في المسائل الفارغة، والابتعاد عن مناقشة توافه الأمور.
بات يميل إلى المرونة ، وفي الوجه الآخر أصبح أقلُّ تشددًا، وظل حريصًا على اللين والعطف والرحمة.
أمسى أكثرُحرصًا على المعنى والقيمة، وأكثر زهدًا في الهوامش، وتركُ الأشياء التي لا معنى لها ولا هوية، أضحى أكثرُ اهتمامًا بالأشياء الحقيقية التي تستحق أن يكرّس الإنسان لها نفسه.
ما أجمل عواصف الأيام حين تهدأ أمام ناظري الإنسان، وتتحول إلى مجرد مواقف بسيطة وسهلة ليس لها تأثير على مستوى استقراره النفسي، أو مستواه الزمني.
وما أجمل رياح الاندفاع حين تسكن ويخبو توقدها.
وما أجمل الدنيا حين تتساوى مغرياتها في عين الإنسان فلا يعد في وسعها أن توقض فيه الشحنات السلبية تجاه ما يمارسه ويشاهده على حد سواء.
كم نحن بحاجة إلى مراجعة دورية لطبيعة نضجنا العقلي والاجتماعي والانفعالي!
كم نحن بحاجة إلى الكثير من الدراسات حتى يدرك الجميع أن الإنسان حين خلقه الله ، لم يخلقه عبثًا ولا صدفة ، بل خلقه لحكمة يعلمها، خلقه لعبادته وعمارة الأرض ، وفوق هذا كله خلقه ليستعمل عقله في كل ما من شأنه تحقيق الاستقرار والهدوء والسكينة. صدقًا، وحقًّا، عليه أن يتعلم بأنّ الله تعالى لم يخلقه للعبث ، واللهو، والزيغ، والتفاخر، والكبر، خلقه ليفرق بينه وبين سائر المخلوقات بالعقل ، وذاك العقل مركزه التفكير ، وأي مركز أعلى من التفكير! ليس هناك مخلوق على وجه البسيطة لديه مثل ما لدى الإنسان ، فكيف له ألا يستعمله في تحقيق النضج !
إننا حين نكتب عن مدارج النضج عند الإنسان فإنه من الواجب التركيز على التربية هكذا يراها علماء النفس التربوي ، يرون أنه من الضرورة العمل ثم العمل على بناء شخصية الطفل ورعايته من كافة النواحي حتى يكبر ويستطيع التكيف والاندماج مع كافة أطياف مجتمعه، وحين يكبر يجد نفسه قد استوعب مكانته العقلية بعيدًا عن التعقيد والصراعات والعمل على اكتساب النمو الكافي حتى يصعد ويستقر في أعلى مدارج النضج.
انتهى .

علي بن عيضة المالكي
كاتب رأي

 

علي بن عيضة المالكي

كاتب رأي وإعلامي

‫2 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى