(كيف كان عنترة ، يحكم سوريا المدمرة )

عنوان هذا المقال مقتبس ، أو إقتباس من قصيدة طويلة للشاعر السوري نزار قباني ، وهي ربما كانت أسباب هروبه من سوريا للخارج ، حتى أن غادر الحياة دون أن يرجع لسوريا التي شبهها في قصيدته تلك العصماء بالشقة المفروشة ، يملكها شخص يسمى عنترة، وكانت وفاته في نهاية الألفية الثانية ، عاد بعدها جثمانه موارى في تابوت من عاصمة الضباب ليدفن في دمشق بعد هجرةٍ طويلة خوفاً من بطش عنترة ، وأن يضعه في أحد سجونه ، ويلقى مصير الآف السوريين الذين قضوا حياتهم بين جدران شقة عنترة!؟
لقد صورت قصيدة نزار قباني سوريا تصويراً حقيقياً في ادارتها ، وقيادتها وتصرفات قائدها حافظ ، ولم يدر بخلد نزار أن ابن حافظ بشار سيكون أشد ، وأنكى من والده عنتره .
لم يكن أحد يتصور الى أين ستذهب سوريا ، وخاصة بعد اكتشاف المقابر الجماعية ، والسجون السرية ، والعلنية ، والقتل العمد وغير العمد ، والقتل على الهوية ، وتشريد مجتمع دولةٍ بأكمله وتهجيره ! ، والاعتقاد أيضاً ماذا كان يفكر فيه إبن عنترة ، وأخوانه أبناء عنترة ، وهل كان في مخططهم إفناء الشعب السوري ، والوقوف على أطلاله ، أم فقط كان توجههم إفناء المكون السني ، وإبقاء شيعتهم العلويين ، أو أن الحبل على جراره سيأتي على الأكراد ، والدروز ، والشركس ، والمسيحيين في هذا البلد الذي بُلي بعنترة وأبنائه.
لا أحد في إعتقادي يتصور ماهو مخطط هذه الأسرة حتى من القريبين منها الى أين سيذهبون بسوريا ، والى أي مستقبل كان ينتظر شعبها ، ومكوناتها الاجتماعية ، التي لم تسلم من عذابات هذا النظام الجائر .
الشاهد في هذا التحول السريع لشقة عنترة هو هروب ابن عنترة ، وخلاص أهل هذه الشقة التي كانت تصبح وتمسي على زمجرة عنترة!
أنه بمشيئة الله الخلاص الأبدي من هذه الأسرة الطاغية ، وستعود بمشيئة الله سوريا معززةٍ مكرمة في حظنها العربي الذي يحب سوريا وأهلها ، كانت سوريا عبارةٍ عن سجن كبير ، ليس لها مستقبل أو حاضر ، كانت موطئ لكل مجرم في القتل ، والتدمير ، وصناعة المخدرات ، والإشراف عليها من أعلى سلطة في الدولة ، وتهريبها بمساعدتهم ، وتمكين كل يدٍ قذرة في تدمير شعوب المنطقة التي ضاقت ذرعاً بتصرفات قادة هذه الدولة المجرمة.
كانت سوريا مكاناً مثالياً لإدارة الخيانة ، وقيادة المماتعة مع نظام الملالي ، بل الاشتراك فيها ، واستهداف العرب خاصة .
اليكم القصيدة التي تصف الموقف ، وسوريا كيف كانت ، سياسة وقيادةً !
هـذي البـلاد شـقـةٌ مفـروشـةٌ ، يملكها شخصٌ يسمى عنتره …
يسـكر طوال الليل عنـد بابهـا ، و يجمع الإيجـار من سكـانهـا ..
و يطلب الزواج من نسـوانهـا ، و يطلق النـار على الأشجـار …
و الأطفـال … و العيـون … و الأثـداء …والضفـائر المعطـره …
هـذي البـلاد كلهـا مزرعـةٌ شخصيـةٌ لعنـتره …
سـماؤهـا .. هواؤهـا … نسـاؤها … حقولهـا المخضوضره …
كل البنايـات – هنـا – يسـكن فيها عـنتره …
كل الشـبابيك عليـها صـورةٌ لعـنتره …
كل الميـادين هنـا ، تحمـل اسـم عــنتره …
عــنترةٌ يقـيم فـي ثيـابنـا … فـي ربطـة الخـبز …
و فـي زجـاجـة الكولا ، و فـي أحـلامنـا المحتضـره …
مـدينـةٌ مهـجورةٌ مهجـره …
لم يبق – فيها – فأرةٌ ، أو نملـةٌ ، أو جدولٌ ، أو شـجره …
لاشـيء – فيها – يدهش السـياح إلا الصـورة الرسميـة المقرره ..
للجـنرال عــنتره …
فـي عربـات الخـس ، و البـطيخ …
فــي البـاصـات ، فـي محطـة القطـار ، فـي جمارك المطـار..
فـي طوابـع البريـد ، في ملاعب الفوتبول ، فـي مطاعم البيتزا …
و فـي كل فئـات العمـلة المزوره …
فـي غرفـة الجلوس … فـي الحمـام .. فـي المرحاض ..
فـي ميـلاده السـعيد ، فـي ختـانه المجيـد ..
فـي قصـوره الشـامخـة ، البـاذخـة ، المسـوره …
مـا من جـديدٍ في حيـاة هـذي المـدينـة المسـتعمره …
فحزننـا مكررٌ ، وموتنـا مكررٌ ،ونكهة القهوة في شفاهنـا مكرره …
فمنذ أن ولدنـا ،و نحن محبوسون فـي زجـاجة الثقافة المـدوره …
ومـذ دخلـنا المدرسـه ،و نحن لاندرس إلا سيرةً ذاتيـةً واحـدهً …
تـخبرنـا عـن عضـلات عـنتره …
و مكـرمات عــنتره … و معجزات عــنتره …
ولا نرى في كل دور السينما إلا شريطاً عربياً مضجراً يلعب فيه عنتره …
لا شـيء – في إذاعـة الصـباح – نهتـم به …
فـالخـبر الأولــ – فيهـا – خبرٌ عن عــنتره …
و الخـبر الأخـير – فيهـا – خبرٌ عن عــنتره …
لا شـيء – في البرنامج الثـاني – سـوى :
عـزفٌ – عـلى القـانون – من مؤلفـات عــنتره …
و لـوحـةٌ زيتيـةٌ من خـربشــات عــنتره …
و بـاقـةٌ من أردئ الشـعر بصـوت عـنتره …
هذي بلادٌ يمنح المثقفون – فيها – صوتهم ،لسـيد المثقفين عنتره …
يجملون قـبحه ، يؤرخون عصره ، و ينشرون فكره …
و يقـرعون الطبـل فـي حـروبـه المظـفره …
لا نجـم – في شـاشـة التلفـاز – إلا عــنتره …
بقـده الميـاس ، أو ضحكـته المعبـره …
يـوماً بزي الدوق و الأمير … يـوماً بزي الكادحٍ الفـقير …
يـوماً عـلى طـائرةٍ سـمتيـةٍ .. يوماً على دبابة روسيـةٍ …
يـوماً عـلى مجـنزره …
يـوماً عـلى أضـلاعنـا المكسـره …
لا أحـدٌ يجـرؤ أن يقـول : ” لا ” ، للجـنرال عــنتره …
لا أحـدٌ يجرؤ أن يسـأل أهل العلم – في المدينة – عن حكم عنتره …
إن الخيارات هنا ، محدودةٌ ،بين دخول السجن ،أو دخول المقبره ..
لا شـيء فـي مدينة المائة و خمسين مليون تابوت سوى …
تلاوة القرآن ، و السرادق الكبير ، و الجنائز المنتظره …
لا شيء ،إلا رجلٌ يبيع في حقيبةٍ تذاكر الدخول للقبر ، يدعى عنتره …
عــنترة العبسـي … لا يتركنـا دقيقةً واحدةً …
فـ مرة ، يـأكل من طعامنـا … و مـرةً يشرب من شـرابنـا …
و مرةً يندس فـي فراشـنا … و مـرةً يزورنـا مسـلحاً …
ليقبض الإيجـار عن بلادنـا المسـتأجرة.
هذه هي سوريا التي صورها نزار قباني ، لم تختلف عن ما كشفته الأحداث الأخيرة عند تحرر سوريا
التي كانت شقةٍ لعنترة!؟
محمد سعد الربيعي
كاتب رأي
لافض فوك أيها الكاتب السياسي المبدع دكتور محمد👍