كُتاب الرأي
كيف أستفاد المجتمع السعودي من مباديء حجة الوداع ؟

كيف أستفاد المجتمع السعودي من مباديء حجة الوداع ؟
تُعد حجة الوداع من أعظم المحطات في السيرة النبوية، بل هي بمثابة الوصية الخالدة التي ألقاها النبي محمد صلى الله عليه وسلم في أواخر حياته، موجهاً خطابه إلى الأمة جمعاء. في هذا الموقف التاريخي، وقف الرسول الكريم أمام أكثر من مئة ألف حاج، ليضع لهم المبادئ الكبرى التي تقوم عليها الشريعة الإسلامية، وتُرسي قواعد العدل والمساواة والرحمة والحقوق الإنسانية.
ومن أبرز مضامين هذه الخطبة الخالدة: تحريم الدماء والأموال والأعراض، والتأكيد على المساواة بين الناس “كلكم لآدم وآدم من تراب”، وحقوق المرأة، والوفاء بالعهود، ورفض العصبية القبلية، وتثبيت أركان الأخلاق والمعاملة بالحسنى. كما دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى التمسك بالقرآن والسنة، قائلاً:
“تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدًا: كتاب الله وسنتي.”
وقد قال الإمام ابن حجر العسقلاني عن هذه الخطبة:
“فيها تأصيل لكليات الشريعة، وتبيين لما هو أصل في الدين مما لا يسع المسلم جهله.”
امتثل المسلمون لمبادىء حجة الوداع، ورعوها حق رعايتها
واليوم نشاهد في المجتمع السعودي استجابة لتلك المباديء
حيث يُعد المجتمع السعودي المعاصر من أكثر المجتمعات الإسلامية التي تتفاعل مع الخير والإنسانية وحفظ الحقوق وأكثر الشعوب التي يتفاعل أفرادها ومؤسساتها مع مضامين خطبة الوداع، حيث إن المملكة العربية السعودية، بما لها من خصوصية دينية كونها مهبط الوحي ومهد الرسالة، جعلت من هذه الوصايا النبوية منطلقًا للعديد من سياساتها الشرعية والاجتماعية والتعليمية.
وسارت المملكة العربية السعودية على منهج قويم يهتم بالإنسان، ومن تلك المباديء العظيمة:
1. العدالة والمساواة
تحرص الدولة على ترسيخ مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات بين المواطنين، ومكافحة التمييز بكافة صوره، تماشيًا مع دعوة النبي إلى نبذ العصبيات والفرقة.
وقد قال الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
“متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟”
وهذا المعنى تجلّى في خطاب النبي حين حرّم الظلم ورفع المساواة إلى مكانة أخلاقية وتشريعية.
2. تمكين المرأة
تبرز جهود المملكة في تمكين المرأة السعودية وتعزيز مشاركتها في الحياة الاجتماعية والاقتصادية، تنفيذًا لما جاء في الخطبة من حفظ لحقوق المرأة والوصية بها.
يقول المفكر محمد إقبال:
“الأم مدرسة إذا أعددتها، أعددت شعبًا طيب الأعراق.”
وقد كانت الوصية بالنساء من آخر وصايا النبي في تلك الحجة:
“استوصوا بالنساء خيرًا.”
3. العدالة القضائية
حرص القضاء السعودي على إقامة العدل وفق الشريعة الإسلامية، مستندًا إلى مبدأ “إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم”، ويظهر ذلك في الأنظمة العدلية والجنائية التي تستند إلى الكتاب والسنة.
قال الإمام الشاطبي:
“إن مقاصد الشريعة كلها ترجع إلى حفظ الضروريات الخمس: الدين، النفس، العقل، النسل، والمال.”
وقد حمت خطبة الوداع هذه الضروريات وأكدت على حُرمتها.
4. التمسك بالقرآن والسنة
يُدرَّس القرآن الكريم والسنة النبوية في جميع المراحل التعليمية، كما تُقام مراكز علمية ومؤسسات شرعية تُعنى بتفسير القرآن وتوضيح سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد قال الشاعر أحمد شوقي:
“إن الذي خَلق الحقيقة علقما… لم يُخلِ من أهل الحقيقة جيلا.”
وفي تمسك السعوديين بوصية النبي تمسُّكٌ بالحقيقة الموحى بها من السماء.
5. رعاية الحرمين الشريفين
تقوم المملكة بجهود جبارة في رعاية الحجاج والمعتمرين، سعيًا منها لتأمين الأجواء الإيمانية التي تسمح للحجاج بتأمل مضامين خطبة الوداع واستشعار عظمتها في موطنها الأصلي.
وقد قال الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود رحمه الله:
“أنا خادم للحرمين الشريفين، وهذه أمانة عظيمة أتشرف بها.”
وأخيرا إن حجة الوداع لم تكن مجرد خطبة تاريخية، بل ميثاقًا خالدًا للأمة. وقد أولت المملكة العربية السعودية، قيادة وشعبًا، اهتمامًا عميقًا بهذه الوصايا، ساعية إلى تجسيدها واقعًا حيًّا في سياساتها وثقافة شعبها.
وقد لخّص الفيلسوف الفرنسي روجيه غارودي أثر هذا الدين بقوله:
“لقد أنشأ محمد أمة من لا شيء، فوحّد بين القبائل، وأعطى الضعفاء كرامة، ورسّخ العدالة في نفوس الناس.”
وإن استمرار الالتزام بهذه المبادئ هو الضمان الحقيقي لاستقرار المجتمعات الإسلامية ورقيّها، وتحقيق رسالة الإسلام في نشر السلام والرحمة في الأرض، كما كانت المملكة العربية السعودية أنموذجا حقيقيا للدولة العظيمة