كُتاب الرأي

كن أخضراً

 

 

قيمة الوطن في نفوس أبنائه، قيمة عظيمة وشعور عجيب، تعجز الكلمات عن وصفه، كيف ينتمي الإنسان إلى بقعة من الأرض يحبها ويعشقها ويفديها بماله وولده ونفسه وهي مجرد تراب !!

في الحقيقة إن انتماء الفرد لوطنه هو انتماء فطري يُفطر عليه الإنسان كما يُفطر على حب والديه، وهذا الحب الفطري يزيد و ينمو عندما يكون هذا الوطن حقيق بهذا الحب والفداء، عندما يقدم لك الوطن الحماية والأمان، ويهيئ لك العيش الكريم؛ هنا يزداد حبك وانتماؤك، عندما تجد المأكل والمشرب والمأوى، وتمارس حياتك بكامل حريتك، تتنفس بين أحبابك، وتغدو وتروح بكرامتك وعزتك؛ هنا تستشعر فخرك واعتزازك بكونك فرداً من أفراد هذا الوطن، وقد جاء الدين الإسلامي ليعزز هذه القيمة، ويدعم هذا الشعور، بل أن الإسلام أقر بصعوبة مفارقة الأوطان وعدّها من العذاب والابتلاء الذي لا يطيقه الإنسان، يقول زهير بن أبي سلمى في ذلك:

ثلاث يعز الصبر عند حلولها

ويذهل عنها عقل كل لبيب

خروج اضطرار من بلاد تحبها

وفــرقة خـــلان وفقـــد حبيب

فقد الوطن كفقد الأهل والأحباب، فما بالك عندما يكون وطنك من أعظم الأوطان، وطن يحميك ويكرمك، وطن يحسدك عليه الكثيرون، وطن له مكانة دولية، ومكانة دينية، ومكانة اقتصادية؛ تجعلك تستشعر نعمة انتمائك له، وتجعلك تقف إجلالاً وشموخاً عندما تسمع (سَارِعِى لِلْمَجْدِ وَالْعَلْيَاء_ مَجِّدِى لِخَالِقِ السَّمَاء

وَارْفَعِ الخَفَّاقَ أَخْضَر ْ_ يَحْمِلُ النُّورَ الْمُسَطَّرْ…..)

من المهم أن نعي أن حب الوطن ليس كلاماً وشعارات نرددها في كل مناسبة وطنية، الانتماء للوطن لا يعني أن تلبس الأخضر وترفع الراية؛ بل أن تجعل اللون الأخضر حاضراً في قلبك، وفي عقلك وتفكيرك، أخضراً في إخلاصك لعملك، أخضراً في تفاؤلك وفي تعاملك مع من حولك، أخضراً في أخلاقك وتربيتك لأبنائك، أخضراً في سلوكياتك والحفاظ على ممتلكات وطنك، اجعل هتافك للوطن في اليوم الوطني واقعاً تصنعه بنفسك، وتذكر أن الأوطان تعلو بهمة أبنائها، فكن سيفاً في يد وطنك لا خنجراً في خاصرته. يقول الكاظمي:

ومن لم تكنْ  أوطانهُ  مفخراً لهُ

فليس له  في موطنِ  المجدِ  مفخرُ

ومن لم يبنْ في قومهِ ناصحاً لهم

فمــــــــا هــــو إِلا خــائــنٌ يتستـــرُ

ومن كانَ في أوطانهِ حامياً لها

فذكراهُ مسكٌ  في الأنامِ  وعنبرُ

ومن لم يكنْ من دونِ أوطانهِ حمى

فذاك جبانٌ بل أَخَسُّ  وأحقرُ

 

د. غادة علي القحطاني

الدكتورة / غادة علي القحطاني

كاتبة رأى _ ⁠دكتوراة الفلسفة في السياسات التربوية_ تكتب في المجالات التربوية والاجتماعية و التأملات الذاتية _ حاصلة على شهادة خبير في مهنة التعليم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى