كل ماهنالك هو عدم توافق…

كل ماهنالك هو عدم توافق…
الإنفصال بين الشريكين يحدث في كل مجتمع في العالم، وهو اجراء طبيعي مجتمعي، لتستمر الحياة،
ويحدث في الحياة الزوجية بكثرة لاختلاف طبيعة البشر وأخلاقهم وطريقة تعاملهم، وفي الواقع، الطلاق في جوهره غالبًا ما يكون نتيجة لعدم التوافق أو التفاهم، كما يحدث في أي علاقة إنسانية أخرى. لكن الفرق في نظرة المجتمع إلى الطلاق مقارنة بالخلافات الأخرى (مثل الخلاف بين الأصدقاء أو الإخوة)
وتختلف قيمة المرأة في المجتمع بين النظرة( العربية) والغربية
ولطالما كان الطلاق قضية شائكة في المجتمعات المتخلفة ذات الطابع في العادات واحترام الآخر ، وتتراوح النظرة إليه بين كونه حلاً ضروريًا لإنهاء علاقة غير ناجحة، وبين كونه فشلًا اجتماعيًا يترك آثارًا نفسية واجتماعية، خاصة على المرأة.
وفي المجتمعات الإسلامية وخاصة العربية، كثيرًا ما يُربط الطلاق باستنقاص من قيمة المرأة، في حين تُعامل المسألة في المجتمعات الغربية بوصفها قرارًا شخصيًا يعكس عدم توافق لا أكثر. فكيف يمكن فهم هذه الفجوة؟ وكيف تتجلى قيمة المرأة في كلا السياقين؟
والنماذج الغربية كثيرة جدا في طلاقات الطبقة المخملية في الأسر الملكية في أوروبا
وفي نظرة للطلاق في المجتمعات الإسلامية: بين التشريع والواقع الاجتماعي، أرى أن الإسلام كدين لم يستنقص المرأة ولا يستنكر الطلاق، بل يقرّه كخيار مشروع لحل النزاعات المستعصية بين الزوجين، بعد محاولات الإصلاح. قال الله تعالى: “وإن يتفرقا يغن الله كلاً من سعته” [النساء: 130].
وهذا يدل على أن الطلاق ليس انتقاصًا من أحد الطرفين، بل بابًا مفتوحًا لبداية جديدة، وكم رأينا من حالات الزواج التي تعثرت في محطة من الحياة ونجحت في مكان آخر ، والواقع، أن الأعراف الاجتماعية تغلب على المبادئ الدينية في كثير من المجتمعات الإسلامية. وغالبًا ما تُلقى اللوم على المرأة عند حدوث الطلاق، وكأن فشل العلاقة يُحمّلها وحدها، فيُنظر إليها كناقصة أو عاجزة عن “الحفاظ على بيتها”، مما يُنقص من مكانتها الاجتماعية ويقلل من فرصها في إعادة بناء حياة جديدة.
أما الطلاق في المجتمعات الغربية: فهو بين القرار الفردي والاختيار الحر
وفي المقابل، تعامل المجتمعات الغربية مسألة الطلاق من زاوية الاستقلالية الفردية، وتُبنى قوانينها على مفهوم الحقوق المتساوية، بعيدا عن متلازمة المجتمع
ويُنظر إلى الطلاق على أنه نتيجة لعدم توافق بين شخصين أو نهاية لعلاقة لم تعد تلبي احتياجات الطرفين، دون إصدار أحكام أخلاقية أو اجتماعية، تفهما لاختلاف طبع البشر وتفهمها واحترامها للاختلاف .
المرأة المطلقة في المجتمعات المتحضرة غالبًا لا تُهمل ، بل تُمنح دعمًا قانونيًا واجتماعيًا يضمن لها الاستقرار (مثل حضانة الأطفال، النفقة، التأمين، السكن)، ما يسمح لها بالاستمرار في الحياة دون شعور سلبي ،
في الإسلام، للمرأة مكانة عظيمة كأم، وزوجة، وعالمة، وقائدة. وقد ضربت النساء في التاريخ الإسلامي أروع الأمثلة في الذكاء والشجاعة والقيادة، من خديجة رضي الله عنها، إلى عائشة، وفاطمة، وأم سلمة، وغيرهن، غير أن الواقع في كثير من المجتمعات لا يُترجم هذه القيم إلى سياسات واضحة. فالمرأة، خاصة المطلقة، تواجه تحديات تتعلّق بالنظرة المجتمعية، وقلة الفرص، والتمييز غير المعلن.
في المقابل، نجد سعيًا جادًا في المجتمعات العربية ذات الوعي والمكانة الدولية لتكافؤ الفرص والاعتراف بحقوق المرأة كاملة، مما يتيح لها التقدّم علميًا، واقتصاديًا، وسياسيًا، حتى بعد الطلاق أو الانفصال، فتجد المرأة ذات مكانة اجتماعية مرموقة، ثقافة واقتصادا وسياسة وإعلاما وتربية ..
إن ما تحتاجه المجتمعات الإسلامية ليس تغيير القيم، بل إلى تصحيح الفهم الاجتماعي لها. فتمكين المرأة لا يعني الخروج عن الدين، بل العودة إلى جوهره الصحيح. ويشمل ذلك، نشر ثقافة أن الانفصال لا يعني الفشل، بل قد يكون شجاعة في مواجهة علاقة مؤذية، وكذلك ضمان حماية قانونية واقتصادية للمرأة بعد الانفصال، وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي للنساء المنفصلات، ورفع درجة الثقة بالنفس،وإعادة بناء النظرة المجتمعية لقيمة المرأة على أساس الكفاءة لا الحالة الاجتماعية. وابراز تميزها وقدراتها المعرفية ومواهبها التي تحتاج للرعاية والتنمية والاحتضان المجتمعي
أخيرا الطلاق ليس استنقاصًا من المرأة، لا في الدين ولا في المنطق. لكنه يصبح كذلك حين يُستغل اجتماعيًا كأداة لإسكاتها أو كسرها. الفرق الحقيقي بين المجتمعات لا يكمن في وقوع الطلاق من عدمه، بل في كيفية تعامل المجتمع مع المرأة بعده. فكلما ارتفعت قيمة المرأة بصفتها إنسانًا مستقلًا واعيا مدركا ، لا نصف إنسان مربوطًا بلقب “زوجة”، كلما اقتربنا من عدالة حقيقية تنصف الجميع.
بقلم / د٠عبدالرحمن الوعلان
معد برامج تلفزيونية وكاتب