كل التقدير للمجهودات مع طوفان التحديات

د.هشام محفوظ
فى مثل هذه الأيام من عام ٢٠١٧ كنت هناك فى المملكة العربية السعودية بالأماكن المقدسة لتأدية شعائر فريضة الحج مبعوثا لقطاع الإذاعة المصرية ، ووفقني الله لأداء تلك الشعيرة الجليلة فى الإسلام، والتى تجتمع فيها شعائر وفضائل الإسلام من صلاة، وتلبية ودعاء، وصدقات، ومناسك حج وتسامح ورباطة جأش، وإنفاق فى سبيل الله، وإيثار، وغيرها من الفضائل الإسلامية العظيمة امتثالاً لقول الحق عز وجل”لا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج” .
كانت هذه هي أول زيارة لى للمشاعر المقدسة عام ٢٠١٧ ولم يأذن لي الله حتى الآن بالعودة، وقتها ذهبت إلى هناك بغرض أداء تلك المهمة الإعلامية وكذلك أداء فريضة الحج ، وفى نيتي «أن مرة واحدة تكفي»، ولم أكن أصدق ما يقوله البعض عن الشوق المتنامي المتكرر والمتلهف إلى تكرار هذه الزيارة المقدسة فى العمرة أو الحج .
فى الحج وأنا في قطعتين من قماش أبيض يشبهان ما يكفن به الميت شعرت بأنني فى يوم الحشر العظيم ،وأننا خارج نطاق الدنيا ، استشعرت عظمة الخالق عز وجل وأن هذه الدنيا فانية زائلة ولن يبقى إلا وجه ربي ذي الجلال و الإكرام . وفى عرفات وقفت مأخوذا و أنا أرتدي هاتين القطعتين من القماش كنت الحي الميت ، فالزي الذي أرتديه هو والكفن سواء .
ما أعظم البساطة و ما أجل و أجمل عدم التكلف ، لقد تحققت بهما المساواة الحقة ، نحن جميعا – بنى البشر – من الحاضرين في هذا المشهد العظيم بين يدي ملك الملوك ، لا فرق بين أحد ، الكل أمام الله سبحانه وتعالي، بلا جاه ولا مال ولا سلطان ، لا فرق بين هذا أو ذاك إلا بالإخلاص في النية و بالتقوي والتوسل إلى الله أن يغفر الذنوب لأعود إلى دياري كما ولدتني أمي، بذنب مغفور وسعي مشكور.
فى الحج على قدر اجتهادك في الإخلاص ونقاء النية، فإن كنت ذاهبا بقلب مشتاق عاشق متعطش للأنوار وللغفران من الله ومحبة في رسوله فنعم القصد ذاك بجليل المقصود، وإن كنت حاجا دون أن تخرج من عنفوان مكانتك في مجتمعك وهيلمانك ووظيفتك الكبرى وشهرتك الاجتماعية ، فذلك أمره عند ربك وهو أعلم بالنيات ، فالإخلاص هو الأساس فى تلك الرحلة النورانية الغفرانية العظيمة ونسأل الله أن يكتبها لنا مرات ومرات لنعود مستقبلين من الله سبحانه وتعالى عفوه ورضاه لنغسل أرواحنا وقلوبنا بعفوه ومغفرته.
إن القيام كل عام بتنظيم ” الحج” الذي هو أضخم مؤتمر سنوى عرفته البشرية فى تاريخها القديم والحديث- أمر ليس سهلاً ، ولا يحق لحاج وفقه الله ليعيش هذه الأجواء إلا أن يشهد شهادة حق بالجهود اللا محدودة التي تبذلها الجهات المنظمة للحج كل عام في المملكة العربية السعودية ، حيث يتلاقى الملايين من كل فج عميق ، من بقاع العالم من كل الجنسيات ، و
بكل اللغات، ومع ذلك تراهم جميعا مجرى نورانيا ملائكيا واحداً في زيهم الأبيض مثل الجياد البيضاء في ميدان التحرر من الذنوب والآثام أو كأنهم أسراب حمام أبيض يشرب من نهر الغفران والنورانيات في حضرة الكعبة أو على صعيد عرفات .
هناك وجدت تنافسا مخلصاً أميناً لخدمة الحجاح ، ومساعدتهم قدر استطاعتهم ، وجدت الكل يتفانى عن عن طيب خاطر وبإيمان عميق في أداء الواجب ، ابتسامة لا تفارق الوجوه ، ولا يقال لك إلا: من هنا يا حاج ، كذا وكذا ياحاج ..ولقد وجدت عند المدينة في طريقنا للمدينة المنورة لزيارة الروضة الشريفة من يوقفنا ويطعمنا التمر ويسقينا قهوة لا أنسى مذاقها للآن ، الكل يساعد ويسعد ضيوف الرحمن بقدر استطاعته، وكنت أنا ومن معي نشعر بالرضا لرؤية هؤلاء الملائكة البشرية.
هي رحلة شاقة لكن مشقتها تتحول إلى سعادة وسكينة عندما تطالعك وجوه باشة باسمة تخدمك لله بمحبة وسماحة .لقد شهدنا جهودا خارقة في مكان كل منسك من مناسك الحج، وبخاصة في مجال الرعاية الصحية ، ولا يصح إنكار تلك الجهود مهما كان هناك أية مفاجآت ، لأن كل شئ وارد حدوثه بقضاء الله وقدره ، ولا يصح الانجراف لأية شائعة أو أكذوبة تقلل من حجم هذا الجهد والإخلاص في أدائه .لقد كنت أستشعر أنهم يتقربون إلى الله بتلك الخدمات التي يقدمونها لضيوف بيت الله الحرام في مكة والمدينة ومنى وعرفات والمزدلفة وغير ذلك من الأماكن التي يجتمع فيها حجاج بيت الله الحرام لأداء مناسك الحج .
لابد أن نضع في الحسبان تحديات جسام تزيد من عام لآخر . و كل موسم من مواسم الحج تسبقه عواصف من الشائعات التي تحتم على الجهات المعنية في المملكة العربية السعودية الشقيقة اتخاذ أعلى درجات الحيطة والحذر .
ولعل هناك ألوان نوعية أخرى مستجدة من المواجهة لمضاعفة تلك التحديات نستخدم فيها تقنيات عن بعد باستخدام غاز الكيمترل مما يزيد من ارتفاع درجات الحرارة مما يرفع درجة التحدي الكبير الذي تواجهه الجهات المنظمة للحج والعمرة بأن تضمن سلامة وصحة ضيوف بيت الله الحرام .
بارك الله في كل من ساهم في إنجاح هذا المؤتمر السنوي العظيم الذي نرتقي به روحياً وإنسانيا ، فهو ملتقى غفرانيا تتأسس فيه قيم عظمى تشهدها الدنيا كلها على أرض الواقع
المساواة العدالة .
اللهم وفق الجميع لتلك الرحلة المباركة التي يكتسب منها كل حاج طاقات هائلة من النورانيات والقيم الإنسانية التى حث عليها النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع وبخاصة قبول الآخر والتسامح والمقدرة على التحكم في المشاعر والخواطر والأفكار لتكون النية خالصة لوجهه تعالى ، ومن هذه القيم قيمة الإحساس بالمساواة والعدالة و الثقة في إمكانية تحقق الفوز بالرضا الإلهي .