سعود الفيصل: حكيم الدبلوماسية وصوت المملكة الذي لا يُنسى

روان الوذيناني
سعود الفيصل: حكيم الدبلوماسية وصوت المملكة الذي لا يُنسى
في عالم السياسة والدبلوماسية، هناك شخصيات تُخلَّد في ذاكرة الأوطان، لأنها لم تكن مجرد أسماء على الورق، بل كانت رموزًا لصوت الحق، والعقلانية، والقوة المتزنة. ومن بين هذه الشخصيات، يبرز اسم الأمير سعود الفيصل، الذي لم يكن مجرد وزيرٍ للخارجية، بل كان رجل دولة استثنائياً، قاد دفة الدبلوماسية السعودية لأكثر من أربعة عقود، تاركًا إرثًا لا يُمحى من الحكمة والحنكة السياسية.
نشأة ومسيرة سعود الفيصل
وُلِد الأمير سعود بن فيصل بن عبدالعزيز آل سعود عام 1940، ونشأ في كنف الملك فيصل، الذي أورثه عشق الوطن والفطنة السياسية. تلقّى تعليمه في جامعة برينستون الأمريكية، حيث درس الاقتصاد والعلوم السياسية، ليعود بعدها إلى المملكة مسلحًا بمعرفة أكاديمية مكّنته من الولوج إلى أروقة السياسة بكفاءة نادرة.
بدأ حياته العملية في وزارة البترول والثروة المعدنية، لكن مسيرته الدبلوماسية انطلقت عام 1975، عندما عيّنه الملك خالد -رحمه الله- وزيرًا للخارجية خلفًا لوالده، ليبدأ رحلةً استمرت 40 عامًا، جعلته عميدًا لوزراء الخارجية في العالم، وشاهدًا على أصعب التحولات التي مرت بها المنطقة والعالم.
رجل السياسة والمواقف الثابتة
تميّز الأمير سعود الفيصل بنهج دبلوماسي فريد، جمع بين الحزم والحكمة، وبين المرونة والوضوح. لم يكن رجل خطابات رنانة، بل كان رجل أفعال، يتحدث حين يستدعي الأمر ذلك، وحين يتحدث تُنصت له المحافل الدولية.
1. القضية الفلسطينية: دعم بلا تردد
كان سعود الفيصل من أكثر المدافعين عن حقوق الشعب الفلسطيني، ولم يتوانَ يومًا في التأكيد على موقف المملكة الثابت من القضية الفلسطينية، وضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي. وكانت كلماته في المحافل الدولية دائمًا تُذكّر العالم بمسؤوليته تجاه القدس وفلسطين.
2. الموقف من الغزو العراقي للكويت
خلال أزمة الغزو العراقي للكويت عام 1990، كان الأمير سعود الفيصل في طليعة الدبلوماسيين الذين عملوا بلا كلل لحشد التأييد الدولي لتحرير الكويت. أدار المعركة السياسية ببراعة، وحافظ على صورة المملكة كدولة تحترم القوانين الدولية وتقف إلى جانب الحق.
3. الملف الإيراني والتدخلات الخارجية
لم يكن الأمير سعود الفيصل متساهلًا أمام التدخلات الإيرانية في الشؤون العربية، بل كان صوته واضحًا في التحذير من سياسات إيران التوسعية، مؤكدًا أن أمن المنطقة لا يمكن أن يكون رهينة لأطماع خارجية.
4. الأزمة السورية وموقفه الشجاع
منذ اندلاع الأزمة السورية عام 2011، كان موقفه صريحًا ضد الجرائم التي ارتكبها النظام السوري بحق شعبه. ظل يدعو لحل سياسي يحفظ حقوق السوريين، رافضًا أي محاولات لفرض واقع يخالف إرادتهم.
خطاباته: رسائل قوية في كلمات مختصرة
كانت خطابات الأمير سعود الفيصل تتميز بالتركيز والاختصار، لكنها تحمل رسائل قوية لا تُنسى. ومن أشهر عباراته:
• “لسنا دعاة حرب، لكننا جاهزون لها إن فُرضت علينا” – ردًا على التهديدات الخارجية للمملكة.
• “إيران جزء من المشكلة، وليست جزءًا من الحل” – في إشارة إلى تدخلاتها في الدول العربية.
• “أطلب منكم ترجمة أقوالي، لا من العربية إلى الإنجليزية، بل من الدبلوماسية إلى الوضوح التام” – تعليقًا على التلاعب السياسي ببعض القضايا.
الأمير الإنسان
رغم انشغاله بالسياسة، لم يكن الأمير سعود الفيصل بعيدًا عن الناس. كان متواضعًا، يجالس المواطنين، ويستمع لهم، ويؤمن بأن القوة الحقيقية للدبلوماسية السعودية ليست فقط في السياسة، بل في ارتباطها بشعبها وقيمها.
رحيله وفقدان رجل لن يُعوّض
في 9 يوليو 2015، فقدت المملكة والعالم العربي رجلًا من أنبل وأشجع رجالاتها. رحل الأمير سعود الفيصل بعد أن سطّر اسمه في سجل العظماء، ليبقى صوته يتردد في أروقة السياسة والتاريخ.
إرث لا يموت
رغم رحيله، لا تزال بصماته حاضرة في السياسة السعودية. فقد كان مدرسة في الدبلوماسية، وأحد الذين أسسوا لنهج حكيم جعل المملكة ركيزة للاستقرار في المنطقة والعالم.
لقد كان الأمير سعود الفيصل أكثر من مجرد وزير خارجية؛ كان صوت المملكة القوي، وراعي مصالحها، وحامي استقرارها. وحين نتذكره اليوم، فإننا لا نستعيد فقط ذكريات الماضي، بل نتعلم من إرثه في كيفية صناعة المستقبل.
رحم الله سعود الفيصل، وجزاه عن وطنه وأمته خير الجزاء