كسرة خبز البؤساء

بقلم/ د. شادي الكفارنة
كسرة خبز البؤساء
أكدت المعاهدات والاتفاقات الدولية على أن الغذاء حق إنساني للجميع، ولكن في غزة بتنا خارج الحسابات من هذه المسميات، حيث يلاحقنا التطهير العرقي بالطرق المتنوعة وبكل أشكال الموت إما قصفًا أو بردًا في الخيام أو حلمًا في المنام أو قهرًا في اليقظة أو سجنًا في المعتقلات؛ لكن أن نموت جوعى دون كسرة خبز لو متحجرة هنا المعاناة ، لماذا هذه المأساة؟ هل لأننا البؤساء العاجزون دون إرادة في غزة؟نصطف طوابير بالآلاف يوميًا من ساعات الليل المظلم المخيفة حتى اليوم التالي عصرًا ليجد الجوعان مكانًا يحجز فيه دورًا يسهل عليه الوصول إلى شباك الموت (شباك المخبز) للحصول على بضعة أرغفة في كيس لا تسمن ولا تغني من جوع، ويتدافع البؤساء حتى الموت خنقًا من كثر التزاحم ، يموت المقهورون وهم جوعى ، وبطونهم خاوية ووجوهم شاحبة ، وأجسادهم هزيلة غير قادرة على الصمود في الواقع أمام ذل الذين يضربونهم بالعصي على أجسادهم أو بأسواط مُجدلة تستخدم لضرب الحيونات ، ما النتيجة ؟
يموت الساعون وراء كسرة الخبز خنقًا من المتدافعين في طوابير الموت أو طلقًا ناريًا من حراس المعبد الذين يدعون تنظيم طوابير القهر المميت ، يقول الشاعر الفلسطيني محمود درويش في قصيدته بعد أن زارته أمه في سجون الاحتلال في اشتياق”أحِنُّ إلَى خُبْزِ أُمِّي” ، أقول له إن التاريخ يعيد نفسه الآن، ونحن في سجن غزة محاصرون بكل أشكال الموت المحقق لا أنا ولا نحن ولا أمي ولا جدتي كلنا دون خبز وشعبنا الغزي محرومًا من كل شيء إلا الموت والشقاء الذي يتسلى علينا بأشكال مختلفة يُضرب الجوعى ويطلق فوق روؤسهم طلقات نارية باستهتار ويميل جموع الجوعى كأمواج البحر الهائج شمالًا وجنوبًا ومن أعلى إلى أسفل يرتطم في صخور عاتية من جسور حديد صلبة، بسبب تكدس الجوعى فتتفرق طوابير الاصطفاف وتزيغ عن استقامتها، بذلك يضيع حق الجوعان إضافة إلى حقوقهم المسلوبة ، وتضيع فرص الحصول على الخبز وتزداد البطون الخاوية جوعاً وهمًا .
إن الخبز يُصنع ليحيا الناس لا ليموتوا ، ولكن في واقعنا يُصنع الخبز لنموت منكسري المعنويات تارة من الجوع وتارة أخرى من حراس المعبد، نعيش مقامرة إما أن تفوز وتصل شباك المخبز وتحصل على المدالية الذهبية (كيس من الخبز) أو ترجع مهزومًا خائبًا حزينًا دون خبز وفي طريق العودة تفكر كيف تطعم أسرتك التي تنتظرك في الخيمة بشغف ممزوجة بابتسامة الانتصار بكيس من الخبز أو بنظرات الخيبة والحزن التي تشعر فيها بأن لو جاء صاروخ وقطعك أشلاء أهون عليك من أن تنظر في عيونهم الملآى بالقهر من خيبة فشلك في حصولك على الخبز ، وما يزيد الأمر وجعاً أن هذه المحاولات تتكرر في اليوم أكثر من مرة وفي كل يوم وأغلب المحاولات تبوء بالفشل وأنت ذاهب وعائد وتقامر من أجل الحصول على الخبز ، ألا يكفينا من يقامر في مستقبلنا حتى صرنا المُقامر بنا في لقمة عيشنا اليومية!! إننا مسلوبو الحقوق محرومو الغذاء الذي يستخدم أداة لتعذيبنا وذلنا، ونحن على قيد الحياة، إننا بالفعل جوعى الحياة وجوعى الموت .
كاتب رأي فلسطيني