كالعادة جاء الرد كريمًا من مملكة الإنسانية

ما إن أعلنت إيران المتأسلمة امتناعها عن توريد النفط للجمهورية العربية السورية وقطع الإمداد عنها كعملية استغلال وابتزاز غير لائق للموقف، في عز البرد والجوع وفي أحلك الظروف يتم التخلي ويُتخذ قرار كهذا لأغراض ومصالح ضيقة ، لأهداف لا تمت للإنسانية ولا للأعراف ولا حتى لقواعد الحروب في شيء!
وعلى الرغم من أنّ الأمم كلها الآن تعمل جاهدة على إعادة البناء وتوفير الأمن والأمان والاستقرار لسورية الغالية إلا أنّ المسؤولين في إيران، لهم رأي آخر، كل يوم يثبتون للعالم أنهم أسوأ نظام مر على البشرية. يعيشون في منطقة الكل يرى أخطاءهم بينما هم لا يرون شيئًا ، غدر وخداع وعمالة مستمرة على مدى أربعين عامًا ، نتكلم نحن عن العصر الحديث ولسنا بصدد استعراض تاريخهم اللدود.
إنهم يسيرون عكس اتجاه بوصلة التفكير ، وكأنهم من كوكب ليس له علاقة بالأرض ولا بمن يعيش عليها ، عجيب أمر هؤلاء البشر! إن ذهبت للتقصي عنهم وجدتهم كائنات تنطق كالإنسان وإن ذهبتَ لتقترب أكثر منهم انتفت الإنسانية عنهم ، لهم تركيبة ثقافية معقدة يستحيل أن تفككها وليس في المقدور فتح قنوات التفاهم معهم أو توجيه الجهود نحو إيجاد علاقة قائمة على أسس متينة مستندة إلى مشتركات دينية كما يدّعون ثم العمل على بناء تحالفات مثمرة بعيدة عن الإرهاب والتطرف وسياسة الأحادية في الرأي التي هي منهج يدرّس عندهم!
لكن كل هذه السلوكيات لن تنفعهم في شيء خسروا مكانتهم الإسلامية كما هي عادتهم ، وكل يوم في نزيف لم يعد بمقدورهم التخلص من دائهم لقد توحشت نفوسهم وتغوّل الحقد في قلوبهم، واستمرؤوا الإساءة والقبح والتجني على جيرانهم منذ سنين عديدة ، لا يهمنا أمرهم ، ما يهمنا اليوم الموقف العظيم من المملكة العربية السعودية بتوريد ما انقطع عن الأخوة الأشقاء من النفط ومشتقاته، هذا العطاء الذي لا ينضب وذلك الكرم الذي لا ينقطع ولا يستكين ولا يتوقف وفوقها حسن الرأي الذي لا ينحرف عن مساره، ومعرفة أصول وقواعد الإنسانية وحسن الجوار والخوف على مستقبل الأشقاء العرب ولا سيما الأخوة في سوريا العروبة.
يهمنا العروبة وجزالة العطاء ، يهمنا كثيرًا ما الذي تعنيه مصطلح الدولة العظيمة، مفهوم الزعامة والقيادة.
لقد جاء الرد سريعًا وكريمًا من ملك الإنسانية، لم يأخذ القرار وقتًا ولم ينتظر الإذن من قوى أخرى .
جاء ليثبت للعالم أجمع أن مملكة الإنسانية ستبقى دولة تسامح وسلام وقوة ناطقة بالحق واقفة إلى جواره.
من خيمة العز والسؤود جاء القرار حاسمًا، من خيمة العروبة والمواقف الصامدة حضرت القيادة والإدارة المتوازنة التي تؤكد ماذا يعني أن تكون قائدًا وحاكمًا عادلاً وإنسانًا عظيمًا، ماذا يعني أن تكون مسلمًا، ماذا يعني أن تكون عربيًا أصيلاً، لم يكن هنا مجال للمفاصلة، ولا مكان للمساومة، ولا مجال للتأخير؛ إنها الأصالة، وحسن التربية، وانتفاء المصالح القاصرة، واتساع أفق التفكير والاحساس التام بالمسؤولية.
إنّ السيادة والسمو والرفعة، لا تأتي بالمصادفة بل تأتي إرثًا وطبيعة، ونشأة وتريية وهذا ما جسده الملك الكريم ، الملك الشجاع، خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود تجاه سوريا العروبة ومعالجة أوضاعهم على نحو سريع ،ووجه به عضيد الحكم وصاحب الرؤية السديدة: صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله ورعاه ولي العهد فأخذ على عاتقه مهام جسام وتولى إرثًا ضخمًا من المسؤوليات إلا أنه كان في مستوى عالي من الفكر والثقافة والفهم والإدراك لما يدور حوله من أحداث وتوقعات فتعامل معها بحصافة ورئاسة.
اتخذ القرار في ساعته دعمًا لاستقرار سوريا والأشقاء فيها وتوريد ما يحتاجه الشعب المغلوب على أمره وأكمل اللازم، نعم أكمل اللازم رغبة في إيجاد مساحة للرضى والقبول عما يجري من تحول سياسي وانتقال للسلطة بعد معاناة كبيرة مع ذلك الطاغية الذي فرّ في ليلة حالكة تحت جنح الظلام وترك جدران سوريا ممتلئة بالدماء، وشوه جمالها الداخلي وعبث في مقدراتها ، ودمر إرثًا وحضارة لا تقدر بثمن حيث سعى بكل جبروته إلى حرق أرضها الخضراء فأصبحت كالصريم.
نحن اليوم أمام حدث تاريخي ومرحلة من مراحل البناء ، نقف على مفترق الطريق لمرحلة عجزت كل قوى العالم في حينها أن تحمي النفوس البريئة، من القتل والتشريد والتجويع والتهجير القسري والنفي التعسفي صوت واحد كان يصدح في كل مكان وعلى كل منبر يدعو للسلام والتسامح والمحافظة على تماسك المجتمعات والشعوب، صوت واحد منذ سنين عديدة صاحبه يركض هنا وهناك، يدافع بكل بسالة ، ويستخدم أعلى درجات ضبط النفس في التعامل مع الأمور ليتحقق شيئًا واحدًا له وللجميع ألا وهو السلام والتسامح والدعوة إلى التعايش وبناء الثقافات والمحافظة على حضارات الأمم والشعوب.
إنها المملكة العربية السعودية دولة الكرم والجود والسخاء والاعتدال والوسطية دولة العز والسؤدد.
علي بن عيضة المالكي
كاتب رأي