كُتاب الرأي

القصر الذي لا يجلس فيه أسد

 

محمد الفريدي

القصر الذي لا يجلس فيه أسد

في سوريا تحوّلت الأسماء إلى أدوات للتلاعب بالمعاني والمصطلحات، واسم “الأسد وعائلته” هيمن على كل شيء، من الملاعب إلي المساجد إلى المستشفيات إلى الشوارع، ولم يبق إلا محطات البنزين ومطاعم الكباب والفلافل لم تحمل أسماءهم.

أما “قصر الشعب” فهو الوحيد الذي زُيّن اسمه باسم الشعب للضحك على الذقون فقط ، وظل رمزا لهيمنة عائلة الأسد بينما الشعب يئن تحت وطأة الفقر والجوع على الأرصفة بعيدا عن قصره المزعوم الذي لا يستطيع الوصول إليه، وكأنه ينتمي إلى عالم آخر.

ومع تفكك النظام وتهاوي تماثيل الأسد وأسمائه تحولت المواقع التي تحمل اسمه إلى أطلال، وأصبح قصره المهجور الذي كان يمنع الشعب من الاقتراب منه لأكثر من نصف قرن يُداس بالأقدام.
فقد كان هذا القصر رمزا لفشل حلم الشعب السوري ووكرا للديكتاتوريين وعائلاتهم من آل الأسد، ولا نصيب له منه سوى الاسم الذي يزين بوابة قصره المسكون بالموت والرعب.

اليوم فقط، بدأ اسم “الأسد” الذي كان يملأ الساحات والمدن رعبا يختفي تدريجيا من المشهد متحولا إلى ذكرى رمادية أليمة في ذاكرة الشعب السوري الذي أدرك أخيرا أنه كان رمزا فارغا بدد أحلامه، وابتلع كل شيء في بلاده .

ومع إزالة اسمه من كل زاوية في سوريا، يبقى السؤال الأهم: هل سيتعلم الشعب السوري من الدرس، ويمنع الطغاة من اعتلاء العرش في “قصره الوحيد” حتى لا يترك يوما ما جائع على الأرصفة؟
فحلم سوريا الجديد يجب أن يكسر قيود الماضي فلا تُخصص قصورها لحكامها المستبدين ليستمتعوا بها والأسماء لشعبها الجائع الذي يعتقد أنها له لأنها مقرونة باسمه كشعب .

حلم سوريا في وطن تُمحى فيه آثار الطغيان، ويُفسح المجال لأحلام حقيقية تجمعه تحت مظلة العدالة والحرية والمساواة، تُبنى فيه الكرامة على أسس صادقة بعيدة عن الشعارات الكاذبة والأسماء الفارغة.
سوريا بحاجة إلى أقلام حرة وشجاعة تكتب عن أحلام شعبها بعدد شهدائها مليون قصيدة، ولا تُقدّس حكامها، وتبني وطن تُحتكر فيه القصور لحكام طغاة ويُترك شعبها أسيرا للمذلة والجوع.

حلمه إنهاء فكرة أن القصور للحكام وحدهم والشعب السوري يُحرم من حقه في العيش بكرامة.
فهل سيأتي اليوم الذي يصبح فيه “قصر الشعب” اسما على مسمى أم سيظل الأسد حاضرا في قصره بدمشق ووجوه المستبدين تتغير؟

الإجابة ستبقى غامضة فسوريا اليوم في حالة تحول تاريخي ﻭ الشعب بدأ يستعيد وعيه تدريجيا، ويعيد تعريف هويته بعيدا عن الطغاة من آل الأسد الذين أخفقوا في مواجهة إرادته، وهربوا ولم يطلقوا رغم بأسهم وبطشهم الشديد على إسرائيل طلقة.

رغم التحديات الكبيرة إلا أن إرادة الشعب السوري لا تموت، فقد أصبح الآن في لحظة مفصلية، يسعى لاستعادة هويته، ويبني مستقبله بعيدا عن الاستبداد والعصابة الأسدية.
و “قصر الشعب” يجب ألا يسكن بل يظل رمزا لانتصار الشعب والكرامة والحرية والعدالة، لا لتبييض صورة طغمة فاسدة بالسكن فيه، وآن الأوان لإزالة الهيمنة الإيرانية من كل جوانب حياة الشعب السوري بما في ذلك اسمه من على “قصر الشعب” والمسجد الأموي الذي استولى عليه الوحش وأسرته، ونجسته أقدامهم النجسة.

النضال من أجل الحرية والكرامة صعب جدا، ولكنه السبيل الوحيد لاستعادة حقوق السوريين من النصيريين و البعثيين والإيرانيين الفجرة.
وسوريا اليوم بحاجة إلى أنظمة شفافة وعادلة تضمن المشاركة الفعالة للمواطنين في صنع القرار، ولشعب يستمر في كفاحه لتحقيق حلمه في وطن يعامل فيه الجميع بكرامة و “قصر الشعب” يصبح رمزا حقيقيا له لا رمز للفساد.

ويبقى السؤال الأهم هو: هل ستكتب سوريا فصلا جديدا في تاريخها؟
وهل سيصبح “قصر الشعب” ملكا لها ولشعبها أم سيأتي إليه وحش آخر يبتلع أرضها وقصرها في لقمة واحدة؟
رغم التحديات تبقى إرادة الشعوب أقوى من الطغيان والفساد، والسوريون اليوم يدركون أن “قصر الشعب” يجب أن يكون لهم وحدهم بالفعل، ولا مكان فيه لسلطة مستبدة مهما تغيرت الوجوه وتعددت الأقنعة.
فقد دفع الشعب السوري ثمنا باهظا من دماء أبنائه وأحلامهم، وهو الآن يستعد لإعادة بناء ما هدمه طغاة البعث وتحويل “قصره” إلى متحف يشهد على نضاله وتخلصه من زمرة حزب البعث الدموي وحقبته إلى الأبد ، ومن حقه أن يكون “قصره” رمزا لاستعادة حقوقه من براثن الأسد.

لا يمكن لسوريا أن تبقى تحت سيطرة رموز استبدادية بعثية وطائفية، فالقصور لا تُبنى إلا بمحبة الشعوب وإرادتها، ولا تزدهر إلا بكرامتها، ولا يدوم مجدها إلا بالعدل واحترام المبادئ الإنسانية.
وفي سوريا الجديدة يبني الشعب مستقبله على أساس العدالة والمساواة ليصبح “قصر الشعب” رمزا حقيقيا له لا رمزا للمستبدين وعبيد السلطة.

في ظل حلم الشعب السوري ينبثق الاستقرار من وعيه العميق ببناء وطن قائم على العدالة والمساواة والحرية، وتحرير العقول من قيود الروايات التي فرضها النظام البائد لتصبح إعادة بناء الذاكرة الوطنية البوابة الأولى لتحقيق النصر، فلا يتحقق الاستقرار إلا ببناء نظام سياسي معتدل، وضمان حقوق المواطنين، وتقليص صلاحيات السلطة التنفيذية، والانفتاح على كافة أطياف المجتمع السوري لتحقيق الحرية والعدالة والمساواة، وإعادة بناء الاقتصاد على أساس الشفافية والمشاركة العادلة، وضمان رفاهية كل المواطنين، والاستثمار في البنية التحتية، وخلق فرص عمل للشباب، وتقوية القطاع الخاص كشريك في إعادة إعمار سوريا.
ولن يتحقق التغيير المطلوب إلا إذا استعادت سوريا مكانتها العالمية بالتعاون مع الدول العربية، وفتحت أبواب الدعم الدولي، واقامت العلاقات الطيبة مع دول الجوار وعملت على بناء مستقبل مزدهر يسهم في استقرار الدولة السورية الوليدة وجميع دول المنطقة.

كاتب رأي

 

 

محمد الفريدي

رئيس التحرير

‫4 تعليقات

    1. شكرا جزيلا لكِ أستاذة نعيمة على كلماتكِ الجميلة هذه ، وحضوركِ وإشادتكِ تضيفان الكثير من القيمة، و تشجعانني على الاستمرار في الطرح والتعبير.
      أسعد دائما بتواصلكِ وتقبّلي فائق تحياتي.
      أخوك / أبو سلطان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى