كُتاب الرأي

قلوبٌ من نورٍ.. كأفئدة الطير

قلوبٌ من نورٍ.. كأفئدة الطير

في عالمٍ ضاقت فيه الأرواح، وتخشبت فيه القلوب، يبزغ من حديث المصطفى ﷺ ضياءٌ يبعث الأمل في طينة البشر حين قال:
“يدخل الجنةَ أقوامٌ أفئدتهم كأفئدة الطير”
(رواه مسلم)
فيا لروعة التشبيه! ويا لعظمة النبأ!
إنه حديث لا يُشبهه شيء إلا دفء الفجر حين يلامس خدَّ الأرض، أو نغمة البلبل حين يُشاطر الزهر نشيده العذب.
قلوبٌ كأفئدة الطير؟
نعم، قلوب لا تعرف ضغينة، ولا تنام على حقد، قلوب رقراقة كالماء الزلال، لا تحمل في جوفها إلا سلامًا، ولا تنبض إلا بالحب والخوف والرجاء.
قلوبٌ لينةٌ، هادئةٌ، مشرّعةٌ للضوء، لا يعكر صفوها مالٌ ولا جاه، ولا يكدّرها صراع النفوس على حطام الدنيا، قلوبٌ هائمةٌ بالله، متوكّلة عليه، خاشعة في حضرته، مطمئنة بذكره.
وفي زمانٍ كثرت فيه القلوب المتحجرة، والسلوكيات المؤذية، نحتاج أن نكون من هؤلاء الأقوام الذين أفئدتهم كأفئدة الطير… نحتاج أن نعود إلى فطرتنا، إلى نقاء القلب، وصفاء النية، وحب الخير للناس كما نحبه لأنفسنا.
تأمل الطائر كيف يُغني على غصنٍ عارٍ في وجه الريح، لا مخزن له ولا ضمان، يخرج كل صباحٍ خالي الحوصلة، ويعود ممتلئًا بفضل الله. فذاك التوكل، وذلك السلام، هو ما وصف به رسول الرحمة قلوبَ أولئك الذين كتب الله لهم الجنة.
هؤلاء لا يُقيمون جدرانًا بين قلوبهم والناس، ولا يُشهرون سيوف الأذى، بل يعيشون ببساطة الأنقياء، يمرون بين الناس كنسمة ربيعٍ لا تؤذي، وكغمامة ظلٍّ لا تمطر إلا لطفًا.
قلوبهم تتوجع لألم الغريب، وتبكي لبكاء العدو، وتخجل أن تجرح، وإن جُرِحَت صبرت وغفرت، فليس في قواميسهم انتقام، ولا في لياليهم نومٌ على ضغينة، وإنما هي قلوب إذا ذُكر الله ارتعدت، وإذا نُصِحَت اتّعظت، وإذا أُوذيَت صفحت، وإذا رأت نعمةً لغيرها فرحت.
فيا من أرهقك صراع القلوب، وصدأُ الأرواح، اعلم أن الجنة لا يدخلها القاسي، ولا ينالها من ثقل قلبه بالحقد.
بل يسلك طريقها من رقَّ قلبه، ونقَت سريرته، وتعلّق فؤاده بالخالق لا بالخلق.
فهنيئًا لأولئك الأقوام،
هنيئًا لقلوبٍ كأفئدة الطير،
لم تحمل سيفًا، ولم تطعن ظهرًا،
بل طارت بخفتها نحو الجنة، وسكنت دار السلام.

بقلم د. دخيل الله عيضه الحارثي

 

 

تعليق واحد

  1. أرفع أكف الدعاء لكاتب هذا المقال النابض بالحياة ، والعابق بنقاء الروح وصدق الشعور .

    إن في وصفك لقلوب ” كأفئدة الطير ” سحرا لا يوصف ، جمع بين عمق الفهم وجمال البيان ، حتى لكأن الكلمات ترفرف خفيفة كالطيور ، وتحط برفق على الأرواح المتعبة🥺، تذكرها بأن السلام الداخلي ليس وهما ، بل هو ممكن👍
    لقد أحسنت يادكتور دخيل في استخلاص الجمال من حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم👍
    وهذا المقال بالذات لا يقرأ مرة واحدة ، بل يُرتشف كالماء الزلال😍

    فطوبى لك يادكتور دخيل وطوبى لقلمك السيال👏👏

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى