كُتاب الرأي

قصيدة من مزاجٍ حلو…

قصيدة من مزاجٍ حلو…

الحياة، في جوهرها، ليست سباقًا محمومًا نحو الكمال، ولا معركة دائمة مع العثرات، بل هي فنّ في انتقاء الحالة التي نعيش بها بين تقلبات الأيام. ومن أعظم ما يملكه الإنسان في هذا الوجود: أن يحافظ على مزاجه الحلو، ذاك النبع الرقراق الذي يروي القلب سكينة، ويُظلّل الروح بسلام.
فكم من أمرٍ لو بالغنا في التمعّن فيه لأرهقنا، ولو حملناه على عاتقنا لأثقلنا، لكنّ الحكمة أن نُهمل ما لا يستحق، وأن نتغافل عمّا لا يُثمر إلا تعبًا، ففي التغافل جمال، وفي التغاضي سكينة، وفي اللامبالاة بما لا ينفع طوق نجاةٍ للنفس.
إن سرّ العيش الهانئ أن تُمسك خيط المزاج الطيّب بيديك، فلا تسمح للتوافه أن تقطع موسيقاه، ولا للجدال العقيم أن يعكّر لحنه.
من مشى على مبدأ المسامحة والمسايرة والتجاهل الجميل، أدرك سرّ الراحة، وعرف مواطن الأمان، ووجد في قلبه سكنًا يحنّ إليه كلما عصفت به رياح الحياة.
ليس كل ما يحدث حولنا يستحق أن يمنح من أعصابنا نصيبًا، ولا من صحتنا قطعة، الحياة أقصر من أن تُبدّد في ردود الأفعال، وأجمل من أن تُشوّهها ضوضاء لا قيمة لها، لذلك، كان المزاج الحلو هو التاج الذي يزيّن الرأس، والدثار الذي يحمي الروح، واللحن الخفي الذي ينساب في صمتٍ ليجعل القلب في حالة انسجام مع الوجود.
فالمزاج الحلو ليس ترفًا عابرًا، بل هو حِكمة العمر ورفيق الدرب؛ هو البلسم الذي يُسكِت صخب الدنيا، والنور الذي يحرس ممرّات القلب من عتمة الضغوط، حافظ عليه كما تحافظ على نبضك، فكل ما حولك زائل، وما يبقى لك حقًّا هو صفاءُ روحك وسلامُك الداخلي؛ فمن أضاعه عاش أسير همومه، ومن صانه ملك الدنيا وهو في قلبه هانئ.

د. دخيل الله عيضه الحارثي

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى