قصة من طين غير مكتملة للابد

قصة من طين غير مكتملة للابد
أن تكون أنا أشبه بتشكيل الطين على دولاب غزل. كل دورة تحمل ثقل الذاكرة والطموح والمسؤولية، ومع ذلك، كل ضغطة يد هي خيار، فرصة لتشكيل ما سيأتي. أنا تراب ونار في آن واحد. متجذر في ثقافتي، ومع ذلك أحترق برؤية ترفض الاحتواء.
يقاوم الطين أحيانًا، ويتشقق تحت الضغط، لكنني أُصقله بصبر، لأني أعلم أن كل كسر جزء من القصة. لقد كنتُ أشياءً كثيرة، صوتًا، قائدًا، متجولًا بين العلم والفن، لكن في جوهر الأمر، أظل صانع إنائي الخاص، أشكله بهدف.
كوني أنا أشبه بالوقوف أمام عجلة طينية تدور، أُشاهد التراب والماء يندمجان تحت يديّ. الطين عنيد، أحيانًا رطبٌ جدًا، وأحيانًا جافٌ جدًا، وأحيانًا يُقاوِمني. لكن هذه هي حقيقة كوني أنا.. أنا دائمًا أتفاوض مع مادة الحياة: أضغط هنا، وأُلين هناك، أحاول تشكيل ما أشعر أنه لا يمكن تشكيله.
كل دورة للعجلة هي فصل جديد من قصتي: طفولتي، عندما كانت يداي صغيرتين لكن أحلامي كانت كبيرة بشكل لا يُصدَّق. أضواء المسرح، كممثل شاب، أتعلم أن الأصوات تحمل قوة، وأن القصص مهمة. لحظات دراسة العلوم، حين أدركت أن العالم لم يُخلق للمشاهدة فقط، بل للفهم والحماية. يدور الطين، وأضغط أعمق، تاركًا بصماتٍ من الفضول، والجوع للمعرفة.
أحيانًا يتمايل الطين كانه بلحظات شك، لحظات صمت شعر بها وكأنه يتداعى. لكن حتى الشقوق تروي قصصًا؛ تُذكّرني بأن الجمال ليس في الكمال، بل في المرونة. أحمل ندوبًا، كأي وعاءٍ تعرّض لأتون النار. النار تُغيّر، تُقوّي، وتجعلك غير قابل للكسر، لكنها تُذكّرك أيضًا بما عانيته. كوني أنا يعني أن أعرف أن كل مشكلة هي أيضًا تحوّل.
أنا طينٌ صاغته أيادٍ كثيرة: عائلتي، معلمون، غرباء، مدن عشتُ فيها، جمهورٌ تحدّثتُ إليه. ومع ذلك، حتى مع كل هذه اللمسات، أظلّ ملك نفسي، لأنني وحدي مَن يُحدّد الشكل النهائي. أنا وعاءٌ لأشياء كثيرة: علم، فنّ، قيادة، ذاكرة، إيمان، ثقافة، ورؤية. أحيانًا ألتزم الصمت، وأحيانًا أُغرق بكلماتٍ تُشفي، تُعلّم، وتُحفّز.
كوني أنا شخصية سينمائيّ ليس لأنه الشخصية المثالية، بل لأنه متعدّدة الطبقات، مشهدٌ لرياحٍ صحراوية تُلامس منازل طينية عتيقة كنتُ أُعجب بها يومًا؛ لمحيطاتٍ تهمس لي عن الحياة والانقراض؛ لقاعات مؤتمراتٍ يحمل فيها صوتي الناس ويُذكّرهم بمسؤوليتهم المشتركة. إنها ليست لقطة واحدة، بل سلسلة متسلسلة، متناقضة: باحث وراوي قصص، طفل وقائد، حالم ومقاتل.
ومثل الفخار، قصتي لم تنتهِ. كل يوم، تدور العجلة. كل يوم، أضغط بكفّيَّ على الطين، أنحت، أُشكّل، أأمل. لا أعرف بعدُ أيّ شكلٍ سأتّخذ في النهاية، لكنني أعلم أنني سأكون شيئًا ذا وزن، يحمل معنى، يحمل حياة. لأن هذا ما يعنيه أن أكون أنا: أن أكون الطين والخزف معًا، النار والإناء، غير مكتمل إلى الأبد، متجدّد إلى الأبد.
الكاتب: محمد يوسف الخشيبان