كُتاب الرأي

قراءة نقدية في اتجاهات الفكر الواعي

 

 

قراءة نقدية في اتجاهات الفكر الواعي

أصبح تجاوز الثقافة السطحية ورفع مستوى الثقافة الواقعية والاختلاط بالجمع الواعي مع كامل الإدراك المعنوي والنفسي والذاتي والثقة في القدرات واستلام الأدوار الكبرى ومعرفة كيفية تحقيق شرط المطالب والممكنات والإلمام التام بطرق إعمال العقل وتحريره من الهدر والاطلاع على تجارب الآخرين والسعي للنهوض بالفكر بانتشاله من حفرة الفشل والقفز فوق حواجز المنزلقات الفكرية ، والعمل على سياسة الممكن والنأي عن غير الممكن واستخلاص الدروس والعبر. أقول أصبح هذا كله دليل قاطع على وعي الإنسان وما سواه وما خالفه إنما هو تصحر فكري وتخلف عن الحضارة.

أزمتنا كلها تكمن في المسافة التي تربط بين عدم الإدراك لما نقوله وما نفعله، هنا الخطر الكامن الذي يتربص بتوازن الفكر، ويجره إلى عدم اليقظة فإذا لم يسارع الشخص إلى بناء منظومة فكرية حديثة، قائمة على التجديد وإعادة صياغة المفاهيم التقليدية والتصورات المسبقة والقيام بإصلاحات واسعة داخل ثيّمات فكره فإن الانزلاق سيكون بشعًا!

يحق لنا معرفة أنّ الوعي الفكري لا يكتمل إلا عند أصحاب الأفكار العظيمة، أصحاب المشاريع الضخمة أعني المشاريع العقلية القائمة على تاءات البناء التسع:

التعايش والتسامح التنوع والتبادل التشاور والتفاهم التفاعل والتحاور وأخيرًا التعاون.

من غيرها سيبقى الفكر حبيسًا للرأي، هشًا، غضًّا، ضعيفًا مفككًا تذروه رياح الاندفاع لتقذف به إلى تاءات أخرى من لون آخر، تاءاتالإساءة والهدم: التنافر والتخاصم، التكفير والتحريض التعالي والتصادم، التقاتل والتناحر ثم يجيء التنابز.

إن الوعي الفكري يفقد مكانته ويفنى حينما يتوقف الإنسان عن التفكير وعن الإنتاجية، يمسي كأنه مع الموتى، هذه الصيرورة تمنعه من الإحساس بروح عصره وحاجات مجتمعه، ولن يكون لديه قيادة فكرية ولا استنارة ولا حتى فلسفة يشاهد من خلالها نفعيته ويرى نضج مسيرته واكتمال تجربته.

كلّما كان الإنسان أكثر تجربة، زاد ثراؤه الفكري، واغتنى عقله، عكسه من ذلك قلة الوعي وضحالة التجارب هذا أمر يؤدي إلى سوء استخدام نظرًا لانتفاء النضج.

كما يعلم الأغلبية من المفكرين أنّ حقيقة العلوم والمعارف تراكمي وحقيقة الوعي الفكري تدريجية فبين هذه وتلك توجد الوسطية والاعتدال وحسن الرأي وسديده، فإن ذهبنا أن نجمّل حقيقته لوجدنا أنّ كل واعٍ مفكر! ويستعصي على غيره اقتياده، لا ينقاد كالأعمى؛ لأنه لديه الوعي أولاً ثم تأتي عنده تراتبية الفهم والاستيعاب للصواب ومصدر الخطأ، هو في الواقع وصل إلى هذا المستوى جرّاء فطنته وإلمامه بالأساليب التي ينشرها المتطرفون فأصبح مكتسِبًا الحصانة ضد التغرير به وعدم الاستجابة للأصوات التي ترغب استقطابه ثم الزج به في وحل التشدد والتعصب.

إنّ غزارة الاطلاع تؤدي إلى الاستدلال السريع والقدرة على الرد بمنهجية قائمة على الأدلة القاطعة، هكذا هو التفكير الواعي، إنه القنطرة الفاصلة بين التهور والاندفاع، بين الضعف والقوة، بين الرغبة والحاجة، بين الانفعال والاتزان.

لكن يبقى ضرورة الإلمام الكافي بأصول وقواعد الفكر الواعي واحدة من أهم الروافد الفكرية، كونه ينطوي تحتها الكثير من المفاهيم الشخصية والمهنية والعديد من المصطلحات المثالية التي ينبغي أن يحرص الجميع على تعلمها لإنتاج ثقافة جادة قائمة على تحمل المسؤولية المجتمعية قبل الذاتية.

الفكر الواعي بهذا المعنى يمكّن الفرد من معرفة نفسه واكتشافه كيانه الداخلي والتمييز بين الانفعالات ومناقشة الأفكار والآراء والمواقف بهدف تغير الأفكار السلبية واستبدالها بنشاط فكري يحظى بالإيجابية والوسطية.انتهى

علي بن عيضة المالكي

كاتب رأي

علي بن عيضة المالكي

كاتب رأي وإعلامي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى