قراءة في فكر سنبسر جونسون

علي بن عيضة المالكي
قراءة في فكر سنبسر جونسون
تستهويني الكتب الغربية حد الاشتهاء، كونها تحارب الركون وتدعو إلى التغيير المكروه عند أكثر الناس رغم أنه سنة كونية وضرورة حتمية ومع ذلك نراه غير مرحب به.
الكتب الغربية أجدها الأنسب والأقرب لأنها تُبنى على دراسات ومقارنات تلتصق بالواقعية ونعتقد أنها هي والقدرات الذهنية الوثيقة صنوان لا ينفصلان من حيث النسبية والتنظيمية والموضوعية والتعددية والتراكمية، لدى أصحابها نواحي ثقافية شتى وتلعب الهادفية دوراً حيويّاً في فهم الحياة وتفسير الظواهر وحل المشكلات، نظرًا لأنها تُحرك زوايا النظر باتجاهات صحيحة وتستحث العقل على استيعاب الأدوار بلا تكلف ولا غلو، عميقة حد الفهم وغارقة في التحليل إلى أقصى علامة.
المؤلف الأمريكي سنبسر جونسون من رواد التغيير تقوم كتبه على دراسات عميقة وتحليلية تكشف مدى عمق التفكير والشمولية وقوة الاستدلال التي يمتلكها وكتابه الشهير مَن حرك قطعة الجبن الخاصة بي أحد أقوى المؤلفات التي تواجه الكسل وتدفع بالفكر نحو التغيير.
بصراحة القول! المؤلفون هناك يغوصون فينا بأفكارهم حتى أنه يستحيل علينا الانفكاك عما يصدّرون من إبداع فكري.
بالتأكيد هناك سر لتفوقهم في جميع المجالات! أتساءل دومًا! هل خصائص التفكير العلمي الذي يتلقونه مختلف عما نتلقاه في مدارسنا وجامعاتنا ؟ هل مناهجهم تستند على قواعد مغايرة عما تقوم عليه مناهجنا؟ هل للأسرة دور في خلق بيئة كتابية ومعرفية حتى يظهروا بهذه الصورة المميزة في التعاطي مع المشكلات وحلها؟ أيعقل أن يكون لمراكز الأبحاث دور في نموهم المعرفي والعلمي والثقافي ؟ هل الباحث العلمي هناك يملك هامش واسع في اختيار بحوثه ومؤلفاته؟ هل لملاحقة أسباب الميثولوجيا دور في نموهم الفكري وجعلهم يقدسون ما يفكرون به مع تنويع ما يعتقدون؟ أم لأنهم منظَّمِين حرفيًّا ومقدسون لما يتعلمونه ويكتبون لأجل الفائدة ويؤلفون كتبهم بناءً على احتياج مجتمعاتهم لا على رغباتهم وتوجهاتهم؟
العجيب في أمرهم أن نرى مؤلفاتهم في كل منزل وكل مكتبة! وكأن الكتابة عندهم ديانة مقدسة بينما نحن أكثر مؤلفاتنا تعيش مسجونة في زنزانة النسيان وعلى هامش الإهمال ليس الإهمال بل على هامشه!
حقًّا إنهم يعرفون جيدًا ما يريدون، يعتمدون على الحقائق البسيطة التي يسهل استيعابها
أكاد أجزم أنهم يفكرون خارج الصندوق أكثر منا ولا يخضعون أنفسهم لحكم القوقعة ولا يعترفون إجمالاً بها، هذا ما يخصهم ويُعْنَى بتفكيرهم، كتب كثيرة لكّتاب غربيين تغص بها المكتبات العربية، وقع في يدي ذات يوم كتاب الدكتور سنبسر جونسون كشاهد ملموس على تطورهم ونهضتهم الفكرية، من خلال قراءتي له وجدته يهتم بطرائق التحفيز وأورد فيه أمثلة لأساليب الحفز القائم على التفكير، كتابه يقع في قرابة مئة ورقة وربما يتجاوزها قليلاً لكنها تعادل ألف صفحة، وألف عنوان، قد يقول البعض أنت تعقد مقارنات بين مؤلفي الغرب والشرق، وتقسو بهذا عليهم. لا أنكر أن هناك كتّاب عرب على مستوى عالي من الثقافة والمعرفة والتفكير ولكن نحن نتكلم عن منهجية الكتابة والتمكن المعرفي وطريقة التسويق لتلك المؤلفات.
قد لا يتم تداول كتب المؤلفين العرب في العصر الحديث بالصورة الجيدة هناك، أو يمكن الاعتماد عليها في بناء الدراسات والنظريات الطبية والهندسية والثقافية أو حل مشكلات الظواهر الاجتماعية رغم علمنا المسبق أنّ المكتبات العربية تزخر بكنوز العلم والمعرفة لعلماء ومفكرين عرب وكانت في يوم ما مقصدًا ومرجعًا علميًّا يبحث عنه الغرب حين كان لا يوجد لديهم مفكرون وتعتمد دراساتهم على المراجع العربية.
لن أطيل كثيرًا في عقد المقارنات إنما في المجمل العام كتب المؤلفين الغربيين أصبحت تستحوذ على مساحات شاسعة في معارض الكتب الدولية وتشغل حيزًا كبيرًا في الأسواق العربية على وجه الخصوص.
أعود لكتاب سنبسر جونسون وما قذف فيه من معلومات ساعدت على معالجة كثير من القضايا في المجتمع الأمريكي وامتد تأثيره على أنظمة الشركات والمؤسسات العالمية.
الكتاب في مجمله يحكي قصة رمزية استعارية الهدف منها أخلاقي صرف تدور فيها الأحداث بين فأرين وقزمين يسعون إلى الحصول على السعادة وقد وُضِع الجبن عنوانًا لتلك السعادة، كُلُّ طرف يدخل في متاهة والنبيه فيهم من يشتغل على نفسه حتى يحصل على ما يريده.
القصة رغم أنها تسقط على واقع الإنسان وركضه في متاهة الدنيا غير أنّ الدراسات الاجتماعية الحديثة تؤكد أنه يركن للكسل والخمول كلما وجد طريق الراحة هذا من شأنه يمكن أن يؤثر على مستوى درجة الحفز والدافعية عنده ما يجعله يفقد فرصًا كثيرة خاصة إذا ما شعر بالأمان والهدوء والاستقرار لذا من الضرورة أن يبحث دومًا عما يجعله ناجحًا ومتميزًا ويستفيد من كل شيء ولا يتوقف.
في كلا الحالين يجب العمل باستمرار عما يجذب السعادة إلى دوائر الفكر سواء بالبحث عن المال أو السلطة والجاه والتفتيش في علاقات الحب وعن السعادة والوظيفة واكتشاف تعاظم المكانة وعدم الانقطاع عن تطوير نفسه في شتى المجالات المهنية والعلمية والاجتماعية والثقافية والوصول إلى الغايات.
لن أحكي القصة كلها إنما يمكنني أنْ أومئ إلى أهم ما ورد فيها من توجيهات سجّلها أبطال القصة على جدران المتاهة ضروري أن نشتغل عليها إذ أنَّ السعادة لا تتحقق بسهولة وهي مرهونة بتحقيق الرضى عن النفس لذا يجب التخلص من المعتقدات المعقدة التي تنخر في ذهن كثير من الناس فيما يأتي الاستعداد للمصير الحتمي بدرجة عالية من التركيز والاهتمام ومواجهته والتغلب عليه، بعده يجب رفض التسليم ببقاء كل شيء على ما هو عليه فتبدل الأحوال وتغير القواعد شيء غير مستبعد يتعين فهم ذلك والاشتغال عليه للوقاية من الضياع.
في الختام ينبغي أن ندرك أنّ الحياة ليست ممرًا مستقيمًا يسهل عبوره، ولكن يتعين علينا معرفة أنه يمكن أن تواجهنا المتاهات وتقف في طريقنا العراقيل وربما نتخبط هنا وهناك إنما إذا استطعنا تقوية إيماننا في قدراتنا ومهاراتنا ونبذنا الاستسلام عندها سوف نصل للمستهدفات والأمنيات ونحرك قطعة الجبن الخاصة بنا بالاتجاه الصحيح.
كاتب رأي