قراءة في السلوك الإداري

قراءة في السلوك الإداري
حتى وإن اختلفت المفاهيم بين القيادة والإدارة تشريعية كانت أم تنفيذية إقليمية أو حتى الفرعية منها، إلا أنها تبقى منصبًا يقدم خدمة للناس، ويقضي حوائجهم، وينظم شؤونهم، ولكن هناك شيء في منتهى الأهمية وهو ضرورة امتلاك فنون الإدارة وعلومها والمهارة اللازمة لهذا المنصب الحيوي مع الاستناد إلى الأسس والنظريات والقوانين والأخلاقيات الخاصة بها مع توجيه الجهود نحو تحقيق الغايات، وفوق هذا يجب الإدراك الشامل أنّ مستويات الإدارة تختلف بين مشرفي الفرق الدنيا منها والوسطى والإدارة العليا كما ينبغي الفهم والاستيعاب أنَّ القدرات – أيضا- تختلف من مدير إلى آخر، بالطبع هذا ليس حديثنا، تركيزنا اليوم على بعض السلوكيات المصاحبة للقيادة والإدارة.
دائمًا المنصب الإداري يصاحبه بعض الوبائيات إن لم يتنبه لها القائد أو المدير يمكن أن تسبب شلل في العمل الذي يترأسه، ويمكن لها أن تهبط بمستوى أداء العاملين عنده ، ويمكن أيضا أن تخلق فجوة واسعة بينه وبين فريق العمل وأهمها على الاطلاق : تضخم الأنا.
فتضخم الأنا وَهْمٌ يزرعه بعض القياديين وأيضا فئة من المديرين يزرعونه حولهم ، بل أنهم يدخلون أنفسهم في المنطقة العمياء التي يساهم تجاهلهم لها في إحداث ثقب عميق قد يكون سببًا في سقوطهم إن لم يسقطهم مهنيًّا سوف يسقطون ذاتيًّا أمام القيم.
البعض منهم يتوقع أنّ العمل لن يسير من غيره ، وأنّ النجاح لن يحالف الفريق بعده، يتضاعف عنده هذا السلوك حتى يحبسه داخل قوقعته فلا يعد بوسعه التحرر منه أو حتى محاولة التخلص من شِرَاكِهِ.
لماذا لم يعد بمقدورهم التخلص منه؟
الإجابة سهلة وبسيطة! لأنها تحقق لهم إشباع ثلاثة أنظمة شعورية مجتمعة ، ولكن يغلب البحث عن الأنا غريزة الهو ، ويغلب شعور الأنا الأعلى ، كونه يركز على الفطرية منها والغريزية التي افتقدوها في نشأتهم، أو دراستهم، أو في بيئتهم، أو في ثقافتهم ، أو حتى في شخصياتهم بالتالي يلجأ صاحبها إلى تخفيف قلقه بالحيل الدفاعية ((أنا فعلت كذا ، وأنا اعتمدت على، وأنا مررت بصعوبات ، وأنا واجهت المشكلات ، وأنا أرى الأشياء التي لا ترونها وأنا الأفضل والأكفأ والأجدر )) كل ذلك يتسبب في حالة تضخم الذات.
نحن أمام حالة معقدة احتمالية الفكاك منها تحتاج إلى جهد واسع وقراءات واسعة واطلاع كثيف.
مثل هذه الشخصيات الإدارية أو القيادية التي تترأس وتقود فرقها يتعين عليها الانتباه جيدًا لتلك السلوكيات التي لا تتواءم مع مبادئ القيادة وأساليب الإدارة.
أقول لكم إنّ الإدارة فن وذوق وأخلاق وقيم ومبادئ لا دخل لمبادئها المتعاظمة بالمصالح الخاصة أو السلوكيات النفسية، ولا يوجد رباط وثيق بين المصالح الضيقة ومصلحة المؤسسة العاملة، لذا ينبغي اختيار المديرين والقياديين بعناية تامة ، وبتركيز عال، بعيدًا عن الانتقائية، من الضرورة أن يخضع المتقدمين لتلك المناصب إلى محكات نفسية ومرشحات صارمة ويخضعون بعد تنصيبهم إلى معايير تقييم في الأداء السلوكي من متخصصين في إدارة الموارد البشرية فيما يخص استيعابهم المفاهيمي لمعنى كيف تقود وتدير فرق عمل! كيف تفتح باب التقاربية الفكرية، والتشاركية العملية مع زملائك ، كيف توجههم، كيف تكون مستشارًا لهم ، كيف تبني خطط العمل معهم !! كيف تساعدهم، وتعينهم على تقبل القصور ، ومعالجته !! كيف تنظم وتخطط وهم يفعلون ويحصدون.
تأكد أنك لست الأفضل فيهم ولن تكون كذلك مادمت تعمل لأن تكون أفضل منهم ، يتعين أن تسعى جاهدًا لأن تكون أفضل من نفسك ، ينبغي عليك ذلك ، هذا يحدد مسارك ويجعلك تكتشف مكامن الضعف عندك ومناطق القوة لديك، وتبصر مساحات النقص الطافية، وتستطيع بعدها قياس مستوى انحرافك عن مبادئ الإدارة من الناحية السلوكية.
الخاتمة
من الحكمة أن نأخذ بالدراسة التي اتبعها تايلور التي تقوم على مبدأ الحركة والزمن وتقسيم العمل ومسؤولياته بين الرئيس والمرءوسين تتحمل الإدارة مسؤولية التخطيط والتنظيم ويتولى العاملين مسؤولية القيام بالعمل الحقيقي، نعم نحن بحاجتها في المؤسسات أكثر من حاجتنا إلى غيرها من الاعتلالات التي تتمحور حول الأنا وتضخيم الذات، أقول نحن بحاجة إلى التنظيم والإنتاجية أكثر من حاجتنا إلى أشخاص نقدسهم ونتخذهم إلهًا لا نرى أنفسنا إلا عن طريقهم.
انتهى
علي بن عيضة المالكي
كاتب رأي
هذا النص ينبض بالحكمة والنضج في تحليل سلوكيات القيادة والآثار السلبية التي قد تنجم عن تضخم الأنا في بيئات العمل. استطاع الكاتب أن يسلط الضوء على ظاهرة خطيرة يعاني منها الكثير من القياديين والمديرين، ويقدم رؤية واقعية حول كيفية تأثيرها على الأداء الجماعي وعلى العلاقات المهنية. حديثه عن “المنطقة العمياء” هو إشارة ذكية إلى تلك النقاط العميقة التي قد يغفل عنها القائد ، لكنها قد تكون السبب الرئيس في تراجع مكانته المهنية والشخصية.
كما أن توجيه النصائح عبر مقاربات عملية يجعل هذا المقال مرشدا حقيقيا لكل من يسعى لتحسين مهارات القيادة وتجنب الوقوع في فخ الأنا المفرطة👍
لافض فوك .
أ/ ابتسام أشكر لك هذه القراءة الفاحصة للمفال ثم إنّ التعليق الغارق في الفهم والاستيعاب لما تم تدوينه ينبئ عن ذهنية فريدة نادرة ومميزة.
أنت أنموذج للقارئ التجريدي.
لديك إلمام موسع بكيفية قراءة ما بين السطور.
ممتن لك.
مرورك سعادة مديرة التحرير نقطة تحول إيجابية في عمليات الدعم والمساندة لكتّاب الصحيفة.
أ/ ابتسام أشكر لك هذه القراءة الفاحصة للمقال…..
مقال رائع ومميز ورصين من كاتب متفرد بالمواضيع واختيارك قيم ومهم للغاية والحديث عن الإداره والتحليل والتفنيد… دلالة واضحة على عنايتك وحرصك على تقديم المميز والمفيد دائماً.. سلمت ودام فكرك وقلمك المبدع 👍
أ/ زايدة حقوي من سعادتي أن يحوز هذا المقال على ذائقتك ويحظى باهتمامك ومساندتك.
حقيقة أنت أنموذج نادر بين كتّاب هذه الصحيفة الرائعة.
شكرًا بحجم السماء واتساع الأرض على هذه الكلمات الداعمة.
شكرا لكاتب صحيفتنا المميز الأستاذ علي المالكي على هذا المقال الثرّي والمهم الذّي أضاء ببراعته أحد أكثر التحديات إلحاحا في عالم القيادة والإدارة.
أبدعت في تشخيص ظاهرة “تضخم الأنا” وأثرها السلبي في تراجع أداء المؤسسات، ووضحت بوضوح أن القائد الحقيقي ليس من يضع نفسه في مركز كل شيء، بل من يُعلي قيمة الفريق ويمهد لأفراده الطريق نحو النجاح، وأشرتَ إلى ضرورة امتلاك القائد للمهارات الإدارية القائمة على الأخلاق والمبادئ، مما يعزز الانسجام بينه وبين فريقه، ويخلق بيئة إنتاجية صحية بعيدة عن تضخيم الذات.
لمست أستاذنا القدير في طرحك عمقا ومهنية، وقدمت تحليلا للظاهرة واستعرضت أيضا أساليب مقترحة للتقييم النفسي والسلوكي للقيادات، وهذا بلا شك يُعتبر نقلة نوعية لضمان نجاح القائد.
بارك الله في قلمك الرائع ونظرتك الثاقبة، وأتمنى أن تجد هذه الأفكار صداها في إداراتنا، وأن نتبنى نهج الإدارة المبني على القيم والتواضع في مؤسساتنا الحكومية ومجتمعنا الذي يستحق منا بذل المزيد وتقبل تحياتي.
محمد الفريدي
رئيس التحرير
حين يكون لدينا قائدًا ملهمًا ورئيسًا مميزًا وإعلاميًّا نادرًا كل هذا وشيء منه أكثر، يدفعنا للتفتيش عن أفضل الموضوعات ونأمل وقتئذٍ من القلم أن يصحب الفكر في رحلة طويلة لا هبوط فيها والغرض من ذلك كله المجيء بشيء يليق بالصحافة النبيلة وهذه الصحيفة الغراء وتلبية ذائقة وتطلعات القرّاء الكرام.
ممتن لمرورك أبا سلطان.
دمت وسلمت.