كُتاب الرأي

قراءات سوسيولوجية في التنافر المعرفي

 

 

قراءات سوسيولوجية في التنافر المعرفي

 

إذا كان علم النفس يدرس سلوك الفرد فإنّ (دُور كايم) أَوْلَى علم الاجتماع اهتمامًا بالغًا حين أسّسه كتواجد معرفي خاص بالظواهر المجتمعية بعد (أوغست كونت)
لقد كان هدفه من ذلك دراسة القوانين التي تحكم تطور المجتمعات وتبني مواقف على أساس منظومة القيم. يحدث هذا في ظل الإيمان بالمعتقدات.
لو أخذنا على سبيل المثال البحث عن الذات ومقارنتها بالآخرين من أجل تأكيد التشابه معهم أو دحضه عنهم لوجدنا أنّ الكثيرين يفعلون ذلك لقياس موقعهم أو مكانتهم عند أقرانهم غير أن عدم تطابق دواخلهم مع توجههم المعلن يدخلهم في حالة تنافر معرفي.
إنّ الامتثال المستحث أمر غير مقبول لأنه يعطي شعورًا بالملل في مقابل الحصول على الحاجة ، ويعطي أيضا مبررات طبيعية يعتقد أصحابها أنها تمنحهم الشعور بالتأمل كونهم لا يملكون مبررًا آخر لإضاعة الوقت في عمل آخر أكثر مللاً، في حين أنّ قوة الاعتقاد وارتباطه المباشر بالسلوك يؤدي إلى مقاومة التنافر المعرفي.
لنأخذ أيضا مثال إضافي ولكن يلزمنا القيام ببعض الخطوات حتى نحقق الالتزام بما نعتقده.
عندما يصبح الشيء أقلَّ توافرًا، فإن الرغبة تزداد في البحث عنه ، بل ويزداد السؤال عن سبب الغياب ، ويمكن أيضا أن يصل الأمر إلى الغضب والاستياء، هذا يجرنا إلى التساؤل عن الاعتقاد والسلوك الذي كان سببًا في نشوء تلك الاتجاهات والتأثير عليها.
بالقطعية الجازمة ، فإن الحياة تخلق صراعًا مريرًا بين الرحيل وبين البقاء مما يجعل الشخص يعيش حالة التوهان بين ما يمكن تحققه وبين ما يمكن خسارته، هنا تبدأ الذكريات في الظهور ، وتظهر الأحداث والمواقف بقوة ، وكلما زاد التفكير كلما كانت الرغبة في العودة أقوى وزادت الحاجة إلى الإبقاء على التواصل قائمة وحاضرة.
كل ذلك من أجل النفور من الخسارة ، فالإنسان عندما يشعر أنه خسر شيئًا هو بذلك يكره هذا الشعور ، بل أنه يمتد لأبعد من ذلك حيث يصبح التقدير للخسارة أوسع من التقدير للبقاء ، فالبقاء ضمان الوجودية وضمان الشعور أما الخسارة فهي تعتبر خسارة للوجودية وخسارة للنفس.
بمعنى مغاير عندما يشعر الإنسان بأنك متاح طوال الوقت هو بذلك يضمن وجودك ويضعك في مستوى لا يليق بك لأنه ضمن وجودك وبقاؤك ينتقل بعدها لمنطقة الراحة والطمأنينة ليعيش فيها،ثم يبدأ في الإهمال، والتجاهل، ثم الإطفاء، والإزاحة، يأتي بعدها ممارسة التقزيم للمشاعر، فضلاً عنها سيقوم بالعمل على إتلاف مستوى التوازن عندك، والضغط باتجاه التحكم في وقتك وجهدك ومستقبلك، والدفع باتجاه محاولة السيطرة على استقرارك، وهدوئك، لا تستغرب وقتها أن يقوم باستفزاز هدوئك، وحلمك، وصبرك،رغبة في أن يدمر مكانتك ، وتقديرك لذاتك، بعدها يضمن التشكيك في قواك العقلية والعصبية ، يحرفك عن أهدافك وعن أحلامك وطموحك، فما أن يتأكد بأنه أحكم السيطرة حتى يلتف عليك فتصبح سائغًا، يتحكم بك كيف يشاء، وينقض عليك دون رحمة ولا هوادة.
في حين عندما تكون ذكيا وفطنا فأنت بهذا سوف تحقق التوازن وتكسر انفلات القيمة ، سأخبرك بشيء هام!
في وقت تحررك من القيود والتبعية وعدم الاستسلام الكامل لمشاعرك وعواطفك، يشعر الآخر بذلك عندها يبدأ هو في الاحساس بالخسارة ، لايعني هذا خسارتك أنت!! لا ! بل خسارته لنفسه ،وضياع لوجوديته المزعومة التي من أجلها بحث عنك حتى وجدك وحين ادخلك معه طبقا لقانون الجذب أفلت يده ،حتى تعيش تحت رحمته ، ولكن إذا كنت نبيها وحاذقًا لن تمر عليك تلك الاعتلالات، ينبغي عليك أن تمارس الدور بحذاقة ومهارة، ولا تتيح له المزيد من الفرص للتحكم والسيطرة، مثل هؤلاء الكائنات خطر على البشرية، خطر شديد أقوى من خطر الحروب ، مثل هؤلاء يسببون عاهات مستديمة للمجتمع والأسر والأفراد، يستهلكون الطاقات الإيجابية وينثرون الطاقات السلبية ، يعيشون في صراعات داخلية ، تتراوح بين الرغبة في الانتقام ، وتفريغ العلل النفسية، وتوسيع دائرة الضرر حتى تشمل الجميع، يعتبرون بقاء الناس في دائرة الاستقرار جريمة بحقهم ، يريدون أن ينتزعوا منهم الأمن النفسي والاجتماعي ، يريدون أن يسلبوا من الناس الأمن الفكري.
لذا هناك طرق واستراتيجيات تعتبر خط الدفاع الأول للتخلص من سوسيولجية التنافر المعرفي
أولاً/ القيام بتعديل بعض الجزئيات من المعتقدات التي تبدو متنافرة مع الآخرين هذا سوف يمكّن الفرد من التعبير عن موقفه كما يستطيع الدفاع عنه.
ثانيًا/ تحمل المسؤولية الشخصية ويتمثل ذلك بأن ينسب الفرد سبب التنافر إلى عدم الإلمام الكافي بالمعلومات التي تفخم تآلف المعتقد وتنفي التنافر.
ثالثًا/ التجاهل التام لفكرة التنافر وعدم تصديقها والتقليل من أهميتها والإيعاز للنفس بألا تكون غبية، وأنها ليست خاسرة أو ضحية لعملية تلاعب أو احتيال والعمل باستمرار على البحث عن جماعة توافقه وتنتمي إليه تشاركه الظروف نفسها وتوفر له مساحة واسعة من الراحة وتقبل فكرة أنه لم يخسر.
رابعًا/القيام ببعض الخطوات التي يصعب التراجع عنها والضغط بالاتجاه الإرادي لإحداث أثر يؤدي إلى تأمين مقاومة التنافر والتهوين من شأنه.
خامسًا/ القيام بتحديد إجرائي لما يعتقده الإنسان وربطه بالعالم الواقعي وإجراء توقعات تقبل الاختبارات حتى يتم التأكد من مقاومة التنافر.
ختامًا/
يقول ليون فستنجر : على الشخص أن يسعى نحو الحفاظ على التناسق بين الجوانب المعرفية المتعددة بما في ذلك الأفكار والسلوكيات والاتجاهات والقيم والمعتقدات.
انتهى

علي بن عيضة المالكي
كاتب رأي

علي بن عيضة المالكي

كاتب رأي وإعلامي

تعليق واحد

  1. الإنسان صمام الأمان لنفسه حين يعرف قيمته ويُقّدر ذاته، ويحيطها بأسوار متينة لايستطيع أحد إختراقها هنا يحقق الإستقرار الداخلي وينمي معرفته بما يمكنه وبما يُقدمه كي لايقع ضحية لأمثال هؤلاء فالتوازن في العلاقات البشرية مطلب وضرورة..
    أبدعت وأجدت وافدت أستاذ علي👍👏👏👏زادك الله من فضله..
    موضوع مهم للغاية والسرد ممتع 👍

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى