كُتاب الرأي

“في حضرة الحرف… حين يصير الأدب صرخة لا يسمعها أحد”

 

 

د. دخيل الله عيضه الحارثي

“في حضرة الحرف… حين يصير الأدب صرخة لا يسمعها أحد”

في هذا الزمن المتسارع، حيث تسود السطحية، وتضيع القيم بين ضوضاء الشاشات، يكتب الكاتب، ويُنشد الشاعر، ويهمس القصّاص، لا طلبًا للشهرة ولا رغبة في تصفيق، بل لأن الكلمة التي لا تُقال..تختنق.

لقد غدت الحروف الهادفة كغرباء في وطن لا يعرفهم، نكتب القصيدة فتتوه وسط الضجيج، وننثر المقال في زحام اللامبالاة، وننسج القصة فلا تجد من يُنصت لنبضها. كل ما نكتبه من شعر، ومقال، وخواطر، وقصص، أصبح يُقاوم وحده في زمنٍ بات فيه التافه أكثر جاذبية، والفارغ أكثر حضورًا.

المشكلة ليست في ضعف الحرف، بل في غياب المتلقي.

قَلّ القراء، وندر المتذوّقون، وتراجع من كانوا يقرأون ليحيا المعنى فيهم، وكأننا نكتب اليوم لقارئٍ مثالي لم يعد بيننا، أو لقلبٍ غفل عن لغة الروح.

أيّها الشعر، أيها الجمال المهجور، ما أثقل غربتك في زمنٍ تهاوت فيه الذائقة، وصار الأدب سؤالًا معلقًا في الهواء: “هل ما زال هناك من يُصغي؟”

لكن رغم كل هذا سنظل نكتب، سنظل ننقش على الورق نبضنا، نمنح الكلمة كل ما تبقّى فينا من حياة، لأننا نؤمن أن القصيدة لا تموت، وإن رحل القارئ، وأن الشعر لا يُقاس بكثرة مَن سمعوه، بل بصدق مَن كتبوه، وأن زهرة البلاغة التي نزرعها اليوم ستُزهِر يومًا وإن تأخّر المطر.

إننا نكتب للقادم، لمن سيقرأنا بعد أن نرحل، نكتب لنترك أثرًا من نور وسط هذا الليل الباهت، وإن لم يُقدّر الناس الكلمة اليوم، فالتاريخ لا يُخطئ، والوجدان لا ينسى.

ولعل من يقرؤنا الآن هو أحد أولئك القلائل الذين لم يخذلوا الحرف، ولم يبيعوا الذوق بثمن بخس، فلهذا القارئ نكتب ونواصل.

نؤمن أن الكلمة إذا خرجت من روحٍ صادقة، فلن تتيه وإن طال بها الطريق.

أيّها القارئ النادر، إن وُجدت، فنحن نكتب لك، ونصوغ من حبّك الذي لا نراه دافعًا لأن نواصل، أنت الأمل المتخفّي في زحمة الإسفاف.

يا من تُحب الأدب… إن كنت لا تزال تُنصت، فأنت الأمل، وأنت الضوء الذي يُنبت المعنى من جديد…

مرَّ من هنا كاتبٌ لم ينطفئ قلمه بعد، وإن أُطفئت الأنوار من حوله.

كاتب رأي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى