كُتاب الرأي
فن الإدارة بين الوجه الحسن والنهج التصادمي

فن الإدارة بين الوجه الحسن والنهج التصادمي
في دروب القيادة ومسالك الإدارة يلوح وجهان أحدهما مشرق كالصبح في إشراقه والآخر عابس كالغيم في اختناقه وجهٌ حسن يحمل بين ملامحه اللين واللطف وحكمة التصرّف وجودة التصرف ووجهٌ قبيح يحمل في قسماته الغلظة والتصادم والتهديد والتجهم وكأن الحزم لا يأتي إلا من قسوة ولا يُفرض النظام إلا بسطوة.
الإدارة ليست ساحة قتال بل ميدان عقل وساحة حوار وفنٌّ راقٍ يُدار بالعقل الراجح والقول الهادئ والفعل الناضج. فـ ( الوجه الحسن ) في الإدارة ليس ضعفًا كما يتوهم البعض بل هو صنعة القويّ وفنّ الحكيم وسرّ النجاح الدائم المستديم.
هو وجهٌ يُقابل الخطأ بالإرشاد لا بالإقصاء ويُعالج الخلل بالحكمة لا بالعداء.
أما ( الوجه القبيح ) فهو مظهر من مظاهر العجز لا القوة.
تهديد مستمر ونهرٌ لا ينقطع واستنفار يُشعر الفريق بأنهم في حالة طوارئ لا تنتهي.
هذا الوجه المتجهم قد يُرهب الموظفين لكنه لا يُلهمهم قد يُنزل الصمت على الألسن لكنه لا يُطلق الإبداع من العقول.
إنه طريق إلى الامتثال الخائف لا الالتزام النابع من اقتناع.
وكم من مديرٍ ظنّ أن الصرامة هي العزيمة وأن التصادم هو الحزم فخسر قلوب فريقه قبل أن يخسر جهودهم.
والشخصية التصادمية – التي لا تعرف إلا المواجهة وتأنف من المصالحة – تنسفُ جسور الثقة وتُشيّد جدران الفرقة.
فلا احترام يُزرع ولا انتماء يُثمر بل يسود الخوف ويتوارى الوفاء.
وبين الوجهين يُولد الفرق لا في النتائج فقط بل في القلوب والضمائر.
فالوجه الحسن يخلق بيئة تزدهر فيها الهمم وتُثمر فيها القيم وتتحول المؤسسات إلى ساحات للإبداع لا للاضطراب.
أما الوجه القبيح فيجعل من المؤسسة ساحةً من صمتٍ ثقيل وإنجازٍ هش وانتماءٍ سطحيّ لا يصمد في وجه الأزمات.
وفي الختام نقول:
ليس كلُّ من يعلو صوته قويّ
ولا كلُّ من يلين جانبه ضعيف.
بل القائد الحقّ هو من يجمع بين الحزم والرحمة وبين الصرامة والمرونة.
والإدارة الناجحة هي التي تُدار بـ ( الوجه الحسن ) لا بـ ( القبضة الحديدية ) .
فما كان الرفق في شيء إلا زانه ولا نُزع من شيء إلا شانه.
فطوبى لمن قاد العقول والقلوب معًا فبنى مجدًا ورفع راية وترك أثرًا لا يُنسى.