كُتاب الرأي

فنادق النجوم الورقية… حين تتفوق اللافتة على الواقع

فنادق النجوم الورقية… حين تتفوق اللافتة على الواقع

د. سارة الأزوري

في كثير من الفنادق، تصنيف الأربع والخمس نجوم يبدو مذهلًا… على واجهة المبنى. لكن ما إن تعبر الباب، حتى تبدأ رحلة الاكتشاف: روائح غامضة تتسرب من الممرات، سجاد يحفظ ذكريات أقدام زوار مرّوا قبل سنوات، وأثاث يوحي بأن الأصالة اختفت بين أروقة المكان.

بعض الإدارات اكتشفت سرًّا عظيمًا: تقليص عدد عمال النظافة لتوفير المال. فكرة عبقرية… إذا كان هدفك جمع أكبر قدر من الأرباح، لا راحة الضيف. أما الموظفون، فتظهر على وجوههم التعاسة والبؤس، يتحركون في قالب محدد دون إبداع أو ابتكار، حتى غابت روح المنافسة وحل محلها روح البقاء للأدهى على قيد الوظيفة. من الطبيعي أن يصبح الابتسام في هذه الظروف رفاهية باهظة الثمن.

الملاك، بعضهم، يمارس “الإدارة عن بُعد”؛ يقيمون في قارات أخرى، بينما فنادقهم تخوض مغامرات يومية بين أيدي إدارات محلية تختلف درجات اهتمامها من “لا بأس” إلى “يا ساتر!”. يتركون المكان في أيدٍ أمينة… أمينة على راتبها فقط. ثم يتصلون في نهاية الشهر ليطمئنوا على الأرباح والنتيجة؟ خدمات بلا روح، وضيافة أقرب إلى تسجيل حضور وانصراف.

الرقابة؟ هناك انطباع متداول – لا ندري مدى دقته – بأن بعض الجولات التفتيشية تمر بسرعة البرق، تاركة خلفها أوراقًا موقعة وشهادات جودة تلمع، بينما المكنسة الكهربائية ما زالت تبحث عن مأوى. أما التقييمات الإيجابية على الإنترنت، فقد لا تعكس الواقع دائمًا، تاركة علامات استفهام حول طريقة جمعها.

وسط هذه الصورة، يظهر نموذج يثبت أن الضيافة فن قبل أن تكون تجارة: السيد طريف، صاحب فندق عمان إنترناشونال. رجل تجاوز السبعين، وما زال يقف بنفسه على تفاصيل العمل: يصلح هنا، يوجّه هناك، يتابع ويطور، وكأن الفندق قطعة من قلبه. من يعرف الفندق قبل سنوات ويزوره اليوم يدرك التحول الكبير.

تجاربي الشخصية تجعلني أكثر حذرًا من بريق النجوم على الواجهات. بعض الفنادق تبيعك سريرًا وتمنحك حسرة. والفارق الحقيقي تصنعه إدارة تعرف أن الضيافة ليست مجرد إعلان مضيء عند المدخل، بل مسؤولية أمام الله وأمام ضيف جاء يبحث عن راحة… لا عن تجربة نجاة. وربما آن الأوان أن تُفرض رقابة أكثر صرامة على هذه المنشآت، وأن تُربط تراخيص التشغيل بجودة خدمات النظافة والصيانة، لا فقط بعدد النجوم المعلّق على الواجهة. فالنجوم على الجدران لا تلمع، إذا كان البلاط تحت الأقدام ملوثًا.

الخلاصة؟ الضيافة الحقيقية تحتاج قلبًا حاضرًا، لا مجرد لوحة مضيئة على المدخل. ومن أراد أن يعرف الفرق، فليراقب كيف يدير السيد طريف فندقه… لعل العدوى تنتقل، ولو مرة، من الإدارة الجيدة إلى الإدارة “الجديدة”.

كاتبة رأي

 

 

الدكتورة سارة الأزوري

أديبة وشاعرة وقاصة وكاتبة رأي سعودية

‫2 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى