فك التعلق !

سلطان عيد المرشدي
فك التعلق !
تُشير ساعة الحائط إلى الثانية عشرة والنصف صباحا تتحرك عقاربها ببطء للصقيع الذي جثم على حركة دورانها فكل شيء حولي متجمد حتى أنا! تسمع اصطكاك أسناني من زمهرير الشتاء وقسوته، أجلس لوحدي بمقربة من نافذة غرفتي أستمع لصوت الهواء الذي ينسدل من خلالها وقد رسم بأصواته أراجيز في حِداء الإبل.
كان جسدي يرتجف برداً وقلبي يتوجع ألماً بلوعة الحُبّ والشوق لأحدهم، اجتمع عليّ تلك الليلة حملٌ ثقيلٌ لايطاق قطّع نياط قلبي، حينها أخذت ورقة وقلم وبدأت أكتب وأكتب وأهْذي كثيراً!
أحاول أن أجمع نفسي وألملم شتات فكري، فهناك شخص يعبث بي!
وقف قلمي برهة من الزمن أخذت نفسا عميقا أغمضت عينيّ ثم أطرقت النظر في تلك الوريقات فإذ بي أدوّن عبارة
“يكفي عذاب إلى متى”؟
حينها قررت أن أنهي قصة حب أنهكتني وآلمتني وقضّت مضجعي.
نعم قصة حبّ فتاة لم تراعِ فيّ إلاًّ ولا ذمةً بدأت بشراكة في عملٍ تجاريٍّ
خاصٍ، جُلّ أعمالنا لساعات طويلة تتم عبر الاتصال دون لقاء وكانت الأمور تسير حول العمل دون غيره ومرت الأيام تلو الأيام والأشهر تعقبها السنون أقابلها أحيانا لتسلّم أوراق تخص العمل، في لحظة مفاجئة شعرت بحركة بقلبي فثَمةَ من دخله دون أن يقرع أبوابه ودون أن أرتب المكان لضيافته، تلك الفتاة وضعت لها مكانا بداخله واستولت على أثمن ما يملكه المرء! علمت بحبي لها الذي لم أستطع أن أخفيه عنها لأن الأمر ليس أمري والقرار ليس قراري فمن ذاق التعلق والحب بجنون يعلم ذلك، ألا أيها النُّوام ويْحكم هُبوا! أُسائلكم: هل يقتل الرجل الحبّ؟ بدأت تكابر لتأكدها من أحكام قبضتها على قلبي وتمكنها من السيطرة على كل مشاعري.
أخذتُ نفسا عميقا وتذكرت مشهدا رأيته في أحد البرامج الوثائقية في ذات اليوم حيث كان الصياد(يوونا) في بحيرة أشي هاكوني يصطاد كعادته بعضا من الأسماك فعلقت سنارته بسمكة الفوجو فرح من مشهدها تتطاير يمنة ويسرة وفجاة ألقى سنارته بين الصخور على الشاطئ وعاد مسرعاً لسماع صراخ زوجته بصوتٍ عالٍ ، ذهب أدراجه ولم يعد ليحرر تلك السمكة وبقيت عالقة بسنارته بين الصخور لا ترى إلا طائر النورس يزورها غدوة وعشيا يضربها مستلا منقاره سلاحه ومصوبه تجاهها مرددا: أحن إلى ضرب السيوف القواضب.. وأصبو إلى طعن الرماح اللواعب
تطير رؤوس القوم تحت ظلالها… وتنقص فيها كالنجوم الثواقب.
كأن (يوونا) أرسله ليعذبها ويدمي جسدها قبل أن يصل لقلبها فيمزقه إرْبًا إرْبًا لينزاح عنه صوت زوجته الذي لا يزال يطنطن في أذنيه، ماتت سمكة الفوجو دون أن يتناولها صائد الأسماك ودون أن يحررها، فأصبحت مع تلك الفتاة شبيها لحال تلك السمكة فلا هي التي أُخذت لترتاح من ألم سنارته ومنقار ذلك الطائر ولا هي التي تُركت في البحر لتعيش بسلام استمر الحال مع تلك الفتاة ما يقارب ثلاث سنوات بل تزيد، رغبت في الزواج منها ولكنها تتحجج بأعذار واهية، بقيت مولعا ومغرما بها لا أرى سواها فصورتها تصحبني في حلي وترحالي ونومي وسهري نعم قد سلبت عقلي وتفكيري، نعم إنه العشق الذي تجاوز الحب، كنت قيسا وهي لم تكن ليلى! وكنت عنترة وهي لم تكن عبلة! وكنت روميو وهي لم تكن جولييت! لم أشعر يوما أنها بادلتني الحب أو أنها قبلت بي، على الرغم من بقائها على اتصال دائم معي بعد فك شراكة العمل، نعود لتلك الليلة الباردة وقد انحدر الدمع من عيني وتجمد على وجنتي لِيُخلّد أثرا لا يمحى ليقود بداخلي نارا تتأجج، حينها كان القرار أن أتخلى عنها وأبتعد لأنجو بنفسي كتبت قراري في ورقة ثم تأملت فيها ودق قلبي وبعث إليّ بإشارات أنك لا تستطيع الفراق، ضربت عليه بشدة كادت تمزقه وقلت له بصوت عالٍ أُثبتْ فإن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، سألت الله أن أنجو هذه المرة وأن يباعد بيني وبين تلك الفتاة كما باعد بين المشرق والمغرب فالاستمرار على هذا الحال هو موت بطيء، حينها غفوت ولما بزغ الصباح بنوره وجدت نفسي ملقى على الأريكة دون غطاء أو وسادة علمت أن هذا القدر لن أتجاوزه بهذه السهولة، فتحت جهازي المحمول بعدما تناولت إفطاري الذي لم أشعر بطعمه أخذت رشفات من كوب الشاي وبدأت أتصفح اليوتيوب فوقعت عيناي على أحد المقاطع الذي جذبني عنوانه اللافت للانتباه عن فك التعلق وفيه تتحدث استشارية عن التعلق وفك الارتباط استمعت إليه بكل حواسي ومشاعري وأعدته كثيرا ذلك اليوم نعم كأن هذا المقطع أرسل إليّ وكان سببا للتخفيف عن ألمي وتعلقي بها فكل من ولج هذا الباب عليه أن يستمع لمثل أولئك الناصحين حتى يعيش حياته بسلام لأن دخول العلاقات ليس كانتهائها، حينها كتبت برسالة لتلك الفتاة أودعها وأن علاقتنا هنا ستتوقف، كان وداعا لطيفا وأنا أستعد لبعث الرسالة تنهدت والتنهيد قلبي ضره شُلت يداي توقفت حركتي صمت رهيب عمّ المكان! وبدأت حرب بداخلي أرسلها لا، تمهل، لا تتسرع ماذا عن ردت فعلها؟ لعلك تحن غدا لها فتندم! استجمعت قواي وظهر أمامي عمرو بن معد يكرب أشجع العرب صاحب سيف الصمصامة والزير سالم المهلهل وتشبهت بشجاعتهم فأقدمت على أمر لا أعلم عاقبته وأثناء الإرسال وجاري الإرسال وتم الإرسال نبضات قلبي تارة تتسارع وتارة تنبض ببطء، رميت هاتفي وذهبت بعيدا كي لا أشاهد ردت فعلها وكي أستجمع قواي لم أشعر بنفسي إلا وأنا أقلب جهازي لأرى ماذا صنعت رسالتي بها؟ لاشيء قرأتها فلم ترد حينها قررت السفر، عليّ أن أخرج من تلك الحال السوداوية الكئيبة فقد أصبحت الدنيا في وجهي شاحبة المعالم استغرق سفري شهرا كاملا وكنت أفكر فيها كثيرا ليلًا ونهارًا، وأتصفح محادثاتي القديمة معها ضحكنا حديثنا عتابنا كل شيء كل شيء وما إن انقضى الشهر بتمامه حتى أستطعت الابتعاد عنها يا ألله لقد بكيت وحدي ولا تعلم هي كم كلفني الرحيل لقد مزّقتْ كل شيء بداخلي لأرحل، كم أحتاج اليوم لترميمه؟ بعدما تأكد لها رحيلي هذه المرة واستطعت أن أتخلى عنها بدأت بفصل جديد تبحث عني وتراسلني وأن علينا أن نعود لبعضنا هنا تعجبت من كان بالأمس متيما بها أصبحت تترجاه وتتوسل إليه ليعود! ولكن ياحبيبة الأمس لقد فات الأوان، انفرط العقد وتناثرت حباته فلا يمكن لنا أن نعيد نظمه فمن بكى بالأمس ولم تكُن له أُنسًا وقد حلم بالعرس حمل أمتعته وحجز تذكرته وأدار ظهره ولن يتعانق حتى ظلانا.
كاتب رأي
قصة رائعة ومؤثرة
آلمتك ٣ سنين
وأنا متأكدة أنك بفك ذلك التعلق آلمتها الدهر كله
القصة جميلة جدا بكل تفاصيلها .
اهلا استاذتنا شقراء
سعدت بمرورك وتعليقك الذي كان بلسما في خضم هذه القصة ..
أولا : اتخاذك لقرار الابتعاد عنها هو قمة العقل والحكمة والصواب ، طالما هذا التعلق لم ولن يتوج بالارتباط الشرعي ؛ فتركه والإستغناء عنه كان تصرف صائب من جهتك👍
ثانيا : صحيح أغلب النساء لا تميل لرجل متيم بها لأن ذلك يشعرها بضعفه ،
والمرأة عادة تعشق القوة في الرجل .
فهاهي حينما أدركت قوتك واستغنائك عنها ، بدأت هي بالبحث عنك ..
✏️عموما :
إذا امتلأ القلب بحب الله تعالى وحده فلن يكون هناك مساحة كافية في القلب لعشق أو حب آخر ..
( وهذا ما أدركته أنت في نهاية هذه العلاقة التي أنهيتها وقطعتها من جذورها بقوة إيمانك بالله وإرادتك وعزيمتك القوية ، لأنك أدركت أنها علاقة عقيمة لن تتوج بزواج )
……….
✏️ أتذكر وأنا صغيرة في الصف الأول متوسط قرأت كتاب ( الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي )
لابن قيم الجوزيه ، وأتذكر أحد الفصول في هذا الكتاب يتحدث عن علاج الحب و العشق ومراتبه المتعدده وأسمائه ودرجات التتيم وأعلاها ، وهكذا … الخ .
جميل جدا ذلك الكتاب ،
وانصح بقراءته👍
شكرا لمداخلتك الجميلة استاذة ابتسام
نعم هناك قصص حب صادقة يهدف الرجل ان تتوج بالزواج من امراة احبها فان لم يتوج هذا الحب بالزواج خرج من حياتها دون ان يمس كرامتها وعفتها ، وهذا ماحدث في هذه القصة ، وهنا رسالة لكل شاب وشابة طريق الارتباط والزواج واضح ولايمكن ان يتلاعب احدهما بالاخر لاشباع رغباته وشهواته ونزواته واهدافه .
رغبت في طرح هذه القصة للفائدة فقط .