كُتاب الرأي
حين تخذلك الحياة: لحظات الصمت والمراجعة

حين تخذلك الحياة: لحظات الصمت والمراجعة
تمرّ بالإنسان لحظات يتمنى فيها لو أن الأرض ابتلعته لا خجلاً من الناس فقط بل هروباً من ثقل الشعور في داخله.
لحظات لا يعلو فيها صوت على صوت الأسئلة التي تتردّد في أعماقه:
لماذا أنا؟
ماذا فعلت لأستحق هذا؟
هذه ليست لحظات ضعف كما يظن البعض بل هي لحظات مراجعة عميقة تأتي غالباً بعد فقدٍ موجع: فقد المال أو العمل أو حتى الأصدقاء.
تأمل رجلاً كان يعيش في رغدٍ من العيش يملك من المال ما يكفيه ويكفي من حوله يتصدّر المجالس وتُطلب مشورته.
ثم فجأة بخسارة صفقة أو بسبب أزمة لا يد له فيها يخسر كل ما لديه.
ينسحب من الظهور يتوارى عن الأنظار وتبدأ الأسئلة تنهشه:
أين ذهب من كانوا يحيطون بي؟
هل أنا الآن بلا قيمة؟
هذا الصمت ليس ضعفاً بل عودة إلى الذات إلى القيم، إلى حقيقة العلاقات التي كان يظنها صلبة.
ورجلٌ آخر أفنى سنوات عمره في وظيفته كان يأتي قبل الجميع ويغادر بعدهم يتعامل بأمانة وإخلاص.
ثم يُفاجأ بقرار إنهاء خدمته لأسباب لا تتعلق بكفاءته. يخرج من مكتبه صامتًا يختار زاوية في بيته ويبدأ بمحادثة نفسه:
هل انتهت رحلتي هنا؟
كيف أواجه أسرتي؟
ما الذي بقي لي؟
إنه لا يبحث عن إجابات فقط بل عن نفسه التي ضاعت في زحمة الالتزامات اليومية.
ثم ذاك الذي كان يظن أن صديق عمره سندٌ لا يخونه فيكتشف في لحظة مؤلمة أن من ظنه الأقرب كان أول من غدر.
يتألم بصمت ويتوقف عن البوح.
ليس لأنه لا يجد من يصغي بل لأنه تعلم أن ليس كل من يصغي يفهم.
هل أخطأت في الثقة؟
هل أنا السبب؟
أم أن الدنيا تغيّرت؟
رسالة لكل من يمرّ بهذه اللحظات
اعلم أن في الصمت طهارة من ضجيج الحياة وفي العزلة حكمة وفي الحوار مع النفس شفافية لا تجدها في أي مكان آخر.
هذه المواقف مهما كانت قاسية تصقل روحك وتعيد ترتيب أولوياتك وتكشف لك عن الناس من حولك بوجوههم الحقيقية.
لا تخجل من الانسحاب المؤقت ولا من إعادة حساباتك ولا من بكاءٍ في خلوتك.
فالنضج لا يولد من الرفاهية بل من لحظات الانكسار التي تقودك إلى وعيٍ أعمق بالحياة.