كُتاب الرأي

فش غزة خلاص وبدي امشي بدي العب

محمد الفريدي

فش غزة خلاص وبدي امشي بدي العب

الحروب النفسية وسيلة معقدة وفعّالة تهدف إلى التأثير على عقول الخصوم، وتوجيه أفكارهم، وزرع الشكوك وإضعاف معنوياتهم دون استخدام الأسلحة التقليدية، مستعينة بالكلمة والصورة كأدوات للتأثير.

برز مفهوم الحروب النفسية خلال الحرب العالمية الثانية، حيث استخدمت ألمانيا النازية الإعلام لتعزيز دعايتها واستهداف الروح المعنوية للخصوم، عبر بث رسائل تزعزع الثقة، وتثير الشكوك، مما نشر الخوف، ودفع الجماهير للتشكيك في قدرتها على المقاومة.

تعتمد الحروب النفسية على أساليب مثل نشر الإشاعات والمعلومات المضللة، وتكرار المشاهد المرئية والمسموعة عبر الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، بهدف زعزعة الثقة بالنفس وإثارة الشكوك لإضعاف معنويات المشاهدين وزرع الخوف والتشاؤم في نفوسهم، مما يجعل المستقبل يبدو قاتما، وبلا أمل.
وتستخدم هذه الحروب أدوات لا تقتصر على الأخبار الكاذبة والإشاعات، بل تشمل أيضا أساليب متطورة تعتمد على علم النفس، بهدف فهم دوافع الجمهور واستغلال نقاط ضعفهم ببث محتوى يتلاعب بشعورهم، ويثير خوفهم، وتسلط الضوء على مشكلات اجتماعية وسياسية وتصويرها كأزمات مستعصية الحل، مما يخلق حالة من القلق واليأس، ويجعل الناس يشعرون بفقدان الثقة والأمل.

وتتسم الحروب النفسية بقدرتها على إضعاف الخصم وكسر إرادته دون الحاجة إلى استخدام السلاح، عبر زعزعة ثقته بنفسه وإيمانه بقضيته، وتقويض استقرار المجتمع المستهدف من خلال إضعاف الثقة في قياداته ومؤسساته وبث مشاعر الخوف والإحباط مما يسهل تدخل الجهات المعادية وفرض أجنداتها.

وتؤثر الحروب النفسية سلبا على الشباب فتضعف عزيمتهم، وتبدد آمالهم، وتجعلهم أكثر عرضة للاستسلام، مما يعيق تقدم المجتمعات والأمم، وقد استخدمت القوى الكبرى هذا النوع من الحروب لتحقيق أهدافها، بدءا من القائد الفارسي كورش الكبير لإضعاف معنويات بابل، وحتى زركسيس ضد الإغريق، وفي العصر الحديث، أصبحت الحروب النفسية جزءا أساسيا من التكتيكات العسكرية، كما اتضح في الحرب العالمية الثانية مع استخدام هتلر أساليب نفسية متقدمة لتحقيق انتصارات سريعة.

ومع التطور التكنولوجي ووسائل التواصل الاجتماعي أصبحت الحروب النفسية أكثر تأثيرا وانتشارا، حيث يمكن استهداف شعب معين برسائل موجهة تؤثر عليه بشكل فوري ومباشر، وتزيد من خطورتها قدرتها على نشر الإحباط والأخبار الكاذبة وتضخيم الأحداث، مما يخلق حالة من التوتر والخوف.

وتعتمد القوى المعادية في وقتنا الراهن على نشر صور وفيديوهات لإحداث صدمة وذعر، مما يعزز حالة الكارثة المستمرة عبر تضخيم القضايا الاجتماعية والسياسية واستغلالها للتأثير على الرأي العام وإحداث انقسامات، بما يصب في مصلحة الأطراف المعادية.
فقد أصبحت هذه الحروب النفسية أكثر شراسة، وتؤثر بشكل مباشر في رؤية الشباب لمستقبلهم وبلادهم وقيادتهم وأمنهم واستقرارهم.

وتأثير هذه الحروب النفسية مدمر جدا إذا لم يتم التصدي لها، فالهزيمة النفسية أخطر من الهزيمة العسكرية، والأمة التي تفقد إرادتها وثقتها تصبح عرضة للسيطرة وفقدان القدرة على المقاومة، لذلك، من الضروري تعزيز الوعي الثقافي والتعليم، وتطوير المناهج لتعليم الشباب كيفية تحليل المعلومات والتحقق من صحتها حتى لا يتأثروا بهذه الحروب النفسية التي تُستخدم اليوم كأسلحة في الحروب والنزاعات.

ومن الضروري أيضا أن تقوم المؤسسات الإعلامية بدورها في مواجهة الأخبار الكاذبة وتعزيز الثقة بالنفس لدى المواطنين، خاصة فئة الشباب، ويتطلب الرد الفعّال على هذه الحروب النفسية بناء جيل واعٍ ومثقف، قادر على الحفاظ على ثقته بنفسه وقيادته وتحقيق طموحاته دون التأثر بالحملات النفسية.

وما يُتداول اليوم عبر بعض القنوات الإعلامية من مقاطع مؤلمة تظهر المعاناة الإنسانية في غزة، مثل تصريحات المرأة الفلسطينية التي تقول: “فش غزة خلاص”، ودموع الطفلة التي تقول: “بدي أمشي، بدي ألعب”، يعكس ألما شديدا، ويندرج في سياق الحرب النفسية، إذ تُعرض هذه المشاهد على مدار الساعة دون مراعاة لتأثيراتها النفسية على المشاهدين من الصغار والكبار.

الحرب النفسية لا تقتصر على التضليل بل تشمل أيضًا التأثير العاطفي الناتج عن عرض المشاهد المؤلمة المتكررة، ورغم أن الهدف قد يكون تسليط الضوء على معاناة الشعب الفلسطيني، إلا أن تكرار هذه الصور يعزز الإحباط واليأس، ويخفض الروح المعنوية للمشاهدين، خاصة في المناطق غير المتأثرة مباشرة بالحرب، مما يعمق الشعور بالإحباط ويؤثر على استقرار المجتمعات في البلدان المستقرة.:

لذلك، يجب على القنوات الإعلامية أن تتوخى الحذر في عرض الأخبار والرسائل المؤثرة، خصوصا تلك التي تتضمن مشاهد مؤلمة أو تحمل رسائل سلبية. من الأهمية بمكان تعزيز الرسائل التي تروج للأمل والصمود والتعاون، عبر تسليط الضوء على قصص النجاح، والاستجابة الإنسانية الفعّالة، والمساعدات التي تُقدّم للمحتاجين والنازحين والمشردين والمهجرين. يجب أن تكون رسائلنا الإعلامية متوازنة، ولا تسهم في نشر مشاعر الإحباط والفزع، مع توجيه هذه الرسائل المؤلمة بشكل مستمر إلى مواطني إسرائيل والدول الأوروبية وبقية دول العالم التي تشن حكوماتها حرب الإبادة في غزة بلغات متعددة، بدلا من التركيز على تكرارها على مدار الساعة داخل مجتمعاتنا، وكأننا المسؤولون عن مأساة هذه الإبادة الجماعية التي تؤلمنا جميعا صغارا وكبارا، ولا قدرة لنا على إيقافها، ولا علاقة لنا بها.

كاتب رأي

محمد الفريدي

رئيس التحرير

‫12 تعليقات

  1. مقال يجسد واقع مؤلم، شكرًا أ. محمد على هذا النبض الصادق.

    وكما ذهبت أنت – صادقًا – إلى أن بثّ مثل تلك المقاطع بشكل مستمر يترك أثراً عميقاً ومؤلماً على المتلقين؛ هي ليست مجرد نقل للواقع، بل أداة تأثير نفسي تعيد إنتاج الألم بطرق مختلفة. حين تستمع إلى كلمات المرأة الفلسطينية التي تعبّر عن استحالة الحياة، أو ترى دموع طفلة تحلم بأبسط حقوقها – اللعب والعيش بسلام – يتردد صداها في القلوب والعقول، ليشكّل نوعاً من الحرب النفسية التي لا تؤثر فقط على سكان غزة، بل تمتد إلى العالم كله، مما يزيد من مشاعر الحزن والعجز والضيق، ونتدفع بالمتلقي إلى التوتر والقلق، مما يولّد إحساسًا عميقًا باليأس.

    1. شكرا لك أستاذ إبراهيم على هذا التعليق العميق والمؤثر جدا، بالفعل، نقل مثل هذه المشاهد القاسية يُعتبر أداة فاعلة في تحريك وجدان رجل الشارع، وتهدف إلى إيصال الألم القاسي والواقع المرير لجميع الناس، وتزرع فيهم مشاعر الخوف والحزن والقلق، وتدفعهم للتفكير في آليات التحرك والنهوض لمواجهة مثل هذه الأزمات، ويتولد في ذات الوقت شعور باليأس في كثير من الأحيان، ما يجعل هذه المقاطع ليست مجرد عرض للواقع الأليم الذي يحدث في غزة، بل جزءا من حرب نفسية تشن عليهم وعلينا لا يُراد لها أن تنتهي.
      محمد الفريدي

  2. صحيح جميع ما ذكرت ابو سلطان فكثير من قوى الشر تتجه نحو القوة الناعمة لإدراكهم بمدى قوة تأثيرها على الشعوب .

    1. صحيح يا أبا رائد، تدرك قوى الشر أهمية القوة الناعمة في التأثير على الشعوب، ولهذا بدأت توظفها بشكل مكثف لتحقيق أهدافها منذ زمن بعيد مع جميع الشعوب، وتحتاج مجتمعاتنا اليوم إلى الوعي بهذه الأدوات الحديثة للحفاظ على هويتنا وتماسكنا أمام هذا التأثير المتزايد.

      وتزداد أهمية هذه القوة الناعمة عندما تُستخدم بطرق خفية ومتطورة تتسلل إلى العقول والتصورات دون أن يشعر الأفراد بتأثيرها المباشر.
      من هنا، تأتي ضرورة أن ندرك أبعاد هذه الحرب غير التقليدية، وأن نحَصّن مجتمعنا بالوعي والثقافة إلى جانب تطوير أدواتنا في مجال الاتصال وتكنولوجيا المعلومات، فبناء درع قوي من المعرفة هو السبيل الأمثل لمواجهة محاولات التلاعب بعقولنا وعقول اجيالنا وتفتيت وحدتنا.

      أشكرك، سعادة اللواء، على هذه المداخلة العميقة.
      تحياتي.

  3. اخي محمد الفريدي :
    مانشاهدة في وسائل الاعلام فعلاً مأساة والصهاينة أجرموا في غزة ولبنان .. ولكن .. يجب علينا السؤال الاهم من تسبب في ذلك فعلا ؟
    ألا تشاطرني الرأي في أن من يبيع ويشتري بدماء الفلسطينيين العزّل هم قادة حماس وقادة جزب الشيطان ..
    السعودية تبنت القضية الفلسطينة منذو الازل ولكن عند التوصل الى أي اتفاقيات للسلام اول من يعرقل هذه الاتفاقيات هم الفلسطينيين انفسهم .. والسبب هو طمع القادة الفلسطينيين لزيادة ارصدتهم البنكية من بعد الدمار وإعادة الاعمار متناسين القتل والدمار والمناظر الوحشية من بعد الحرب .. ولاتنسى ايضاً إرتماءهم في احضان الفرس والمجوس واخذ التوجيهات من طهران لكل عملية يقومون بها ومن بعدها يطالبون دول الخليج بإعادة الاعمار لزيادة ارصدتهم ..
    كان الله بعون المكلومين والمغلوب على منهم والله المستعان .

    1. أخي العزيز أبو عبدالله ، أشكرك على طرحك الصريح ، ما تفضلت به يعكس إدراكا عميقا للمعاناة التي يعيشها الفلسطينيون الأبرياء، والذين يدفعون ثمنا باهظا لصراعات الأطراف السياسية، لقد وقفت السعودية دائما بجانب الشعب الفلسطيني ودعمت قضيته بالجهود السياسية والدعم الإنساني، وأكدت سعيها الدائم لتحقيق السلام والاستقرار.

      لا شك أن بعض القيادات، مثل قادة حماس وحزب الله، اختاروا توجيه الصراع لصالحهم، واستغلوا القضية لتحقيق مكاسب شخصية و سياسية، مما زاد من تعقيد الوضع، كما أن الارتهان لأجندات خارجية، مثل تلك القادمة من طهران، يعقد القضية ويبعدها عن الحلول السلمية ويضيف بعداً إقليميا للصراع.

      يبقى الأمل في ضمير الشعوب العربية ووعيها، وكذلك في ضغط المجتمع الدولي لدعم مسارات حقيقية نحو السلام، دعواتنا مستمرة لأجل الشعب الفلسطيني، ونسأل الله أن تتكاتف الجهود لتحقيق الاستقرار ورفع المعاناة عن الأبرياء.
      تحياتي سعادة المستشار.

  4. المعاناة المريرة التي مرَّت بشعب قطاع غزة هي معناة حقيقية، ومشاهد الموت والدمار والجثث التي رسمت الكآبة على سكان غزة وعلى كل عربي يشعر بالنخوة والكرامة ونصرة الشقيق.
    وهو ما عبَّر عنه الإعلام الرسمي ومنها وسائل الإعلام السعودية التي كانت ولازالت بما لها من مراسلين داخل قطاع غزة والحديث عن هذه المأساة والممارسات الفاشلة من قبل حماس ومن سار على دربهم بشعارات باهته أدَّت إلى زيادة حجم المأساة وجثث الضحايا منذ السابع من أكتوبر الماضي والذي دفع ثمنه الشعب الفلسطيني وحدة .
    ويظل الضمير العربي يوقد في ضمير الأمة الحلول الدبلوماسية التي يفترض أن تقوم بها السلطة الفلسطينية ويقف معها كل الشرفاء من الزعماء العرب ولعل الأمل في مؤتمر القمة العربية الإسلامية غير العادية التي اسضافتها المملكة هذا الأسبوع وخرجت توصيات المؤتمر ببيانات واضحة وجرئيئة غير مسبوقة نسأل الله أن تلقى تجاوبا من قبل الدول العظمي بعيدا عن (حق الفيتو) الظالم الذي كان يقف بالمرصاد كلما لاح فجرا جديدا ينادي بالعيش بسلام لكل الأطراف ونبذ الحروب وإيقاف أعوان الشيطان الذي يشعلون فتيل الحرب كلما أرادوا بحسب الأجندة البغيضة التب يعرفها الجميع.
    في ختام هذا التعليق الشكر لكاتب المقال الزميل رئيس التحريرالأستاذ محمد علي الفريدي فالحرف الصادق رصاصة في وجه الأعداء بغض النظر عن إنتماءاتهم الحزبية والإقليمية وعلى الدول التي تأويهم كشف اللثام عن خفاياهم وتوجهاتهم التي كانت السبب الرئيس في هذه النكبات بقي على علماء النفس والأطباء الإستشاريين أن يذهبوا لموقع الحدث لمعالجة المتضررين من النساء والأطفال وكبار السن في قطاع
    غزة.

    1. شكرا لك استاذنا الكبير على تعليقك العميق، لقد لخصت بكلماتك الواقع الأليم الذي يعيشه الشعب الفلسطيني، وتناولت المعاناة من جميع جوانبها، خاصة فيما يتعلق بالدور السلبي لبعض الأطراف والشعارات التي تزيد من مأساة الأبرياء، كما أشرت بذكاء إلى أهمية الدور الإعلامي في نقل الحقيقة وفضح الظلم، والدعوة إلى الحلول الدبلوماسية ودور القمة العربية الإسلامية التي عقدت مؤخرا.

      وأتفق معك حول أهمية الدعم النفسي للمتضررين، فالآثار النفسية عميقة وتحتاج إلى تكاتف الجهود الطبية والإعلامية لإيصال رسالة الأمل والسلام، شكرا لكلماتك التي ترفع المعنويات، وأشكرك على هذا التقدير الراقي للطرح، وتقبل فائق تحياتي واحترامي.
      أخوكم أبو سلطان

  5. صحيح فعلا المشاهد مؤلمة ومتكررة
    وتصيب بالحزن والأسى
    ناهيك عن أن البعض في مواقع التواصل يلومون وينتقدون أي مظهر للفرح والترفيه ويذكرونا بغزة ومافيها وكأننا كما تفضلت مسؤولون عمّا يحدث

    تحيّة لقلمك المميز وفكرك الراقي 🌹

    1. أشكرك على كلماتك الطيبة وتقديرك، بالفعل، المشاهد المؤلمة تؤثر بعمق في النفوس، ومن الطبيعي أن نشعر بالحزن والأسى تجاه ما يحدث، لكن التركيز المتكرر على المعاناة بشكل مبالغ فيه يثقل على المشاهد ويضعه في حالة من الإحباط، وكأننا مطالبون بتحمل المسؤولية عما يجري، من المهم أن نكون متعاطفين وداعمين، لكن بدون تحميل أنفسنا ما لا نطيق، تحيّاتي لك ولمشاعرك النبيلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى