آفاق في عين العالم

غيّر العالم أو ألهم العالم

غيّر العالم أو ألهم العالم

وليد قادري

هل إمكاناتك عالية في تخصصك أو في هوايتك التي تحبها لكنّ الطريق لم يكن ممهدًا لك للوصول وعانيت من التنمر والسخرية والاستنقاص وواجهت الأمرّين لتنجح؟! هل سألت نفسك من قبل لماذا أنا؟! لماذا ينجح بعض أقرانك بسهولة بينما تغزل الحياة خيوطها حولك وتكون الصعوبة عنوان مسيرتك؟!

لو مرّ بخاطرك هذه التساؤلات من قبل فهذا المقال لك..

يعتمد النجاح على عدد من العوامل ولك أن تتبحّر أكثر في البحث عن وصفات النجاح المضمونة ومعادلات النجاح وغيرها من الأمور التي تركز على النجاح كمحطة وصول أو كرحلة ستؤتي أُكلها لاحقًا، من هذه العوامل ستجد الموهبة والجهد والتركيز والذكاء وغيرها لكننا هنا لن نناقش النجاح بشكله المعروف..

تتحدث نظريات علم النفس عن تصنيف الشخصيات حسب الحروف اللاتينية: ألفا – بيتا – سيجما وغيرها من الحروف، والشائع في العلوم المهتمة بالقيادة والنجاح والإدارة أن شخصية القائد (الألفا) هي الأقدر على النجاح والأجدر بالرحلة والوصول وعلى هذا تُبنى الأمم والحضارات ولا شك أن هذا صحيح بالمجمل، خاصة إن فكرنا فيها بالطريقة العقلانية البحتة والتي تعتمد على أن للنجاح وصفة سحرية لن تتحقق للجميع، وأنه أحيانا لتنجح ستحتاج لوصفة ميكافيلية تبرر لك استخدام الوسائل المناسبة لتنجح حتى وإن كانت على حساب الآخرين، المهم أن تصل للغاية وهي: النجاح..

دعنا نعود لفكرة العنوان:
لماذا (تغيير العالم) و (إلهام العالم) صفتان مرتبطتان بالمعاناة في تحقيق النجاح المفترض؟!
حتى وإن طبقت معادلات النجاح أعلاه وقررت تقليد العقلانيين الباحثين عن أيسر الطرق للوصول، فلن تصل بالسهولة المفترضة..

دعنا نضرب مثلا بصفتين متلازمتين في بناء الأمم، الشجاعة والحكمة، ونضرب بها مثلا الأمير والوزير في ثقافات العالم الممتدة منذ الأزل، رغم أن طريق الأمير مفروش بالورود إلى السلطة ونجاحه مضمون في الجلوس على العرش، فإن الملك لا يتوانى في تدريب ولي عهده وتفويض هذه المهمة لوزير حكيم يساعده في موازنة عقلانيته ونجاحه المفترض بصفة أخرى مهمة وهي التعاطف والمعاناة، وهذا محور المقال وسر عنوانه، فالوزير اكتسب حكمته بعد سلسلة طويلة من التجارب والإخفاقات والنجاحات والتي ساعدته ليتبوأ منصبًا مهما لم يكون مرسوما له منذ البداية كالأمير مثلا..

عندما نتأمل في سيرتي نبيين عظيمين، رسول وملك، رسولنا محمد ﷺ وسيدنا الملك سليمان عليه السلام، فنبينا محمد ولد يتيم الأب ثم أصبح يتيم الأم في طفولته ورغم اعتراف قبيلته بقدراته وأخلاقه فقد كذبوه وتنكروا له وعذبوا أصحابه، وبالمقابل في سيرة سيدنا سليمان ستجد الشياطين تآمروا عليه وقومه اتهموه بالكفر والسحر وطمسوا سيرته العظيمة من كتبه رغم أنه ملكه لم ولن يصل إليه أحد، لكن كلاهما غيّرا العالم للأفضل..

هذه المعاناة في الوصول للنجاح تنمي لديك يا صديقي شخصية المتعاطف Empath وهي الشخصية المرتبطة بالسيجما والتي يقدّر لها دائما أن تغيّر العالم، لا يوجد شخص تمكن من إضافة بصمته في عالمنا سواء باختراع أو ابتكار أو نظرية أو فكرة أو كتاب إلا كان للمعاناة نصيب منه، وكأنه فُرض عليه أن يذهب لأقصى مشاعره وقدرة احتماله ليصنع من الفحم ألماسة، يتصف هؤلاء دائما باللطف والتواضع والحكمة وتقدير جهود الآخرين وكذلك بالعناد والانعزال والشجاعة في مواجهة الحياة، هذا ما جعل سيرتهم خالدة، وما أكثر الناجحين في فترة تواجدنا في هذا الكوكب بمفهوم النجاح المعتاد، لكن من خُلّد ذكرهم وغيّروا العالم فقليل ماهم، والأقل منهم من كانت عقلانيته هي السبيل للنجاح بدون صفة التعاطف وقد يخلّد في التاريخ كطاغية مستبد..

لو لم تستطع تغيير العالم بمعناه الأشمل، فثق بأن محاولاتك الدؤوبة للنجاح وموهبتك الفذة ستساعدك على الوصول لهدفك حتى وإن تأخر، فهذا التصميم الذي بداخلك وعدم الاستسلام لهو هبة عظيمة، وإنّ عزلك أحيانا عن الناس لهو طريقة الكون لمساعدتك على التركيز على ذاتك وشحذ قدراتك، والمعاناة التي قاسيتها ستجعلك متعاطفا مع الجيل القادم الذي سيرى فيك ملهما لهم بنجاحك واحتوائك لهم..

من سيتفهم فشل الآخرين مالم يفشل قبلهم، ومن سيتعاطف مع جروح الرفض والتجاهل وزعزعة الثقة عند الآخرين مالم يمرّ قبلهم من هذا النفق ويتجاوزه، ولذلك سيرون فيك القدوة التي تلهمهم للاستمرار..

إن كنت واثقا من نفسك وتأخّر نجاحك وزادت العراقيل في طريقك، ثق تماما أن الفرج قادم، وسيكون مآلك إما تخليد ذكرك في تاريخ الأرض أو تخليد صورتك في أفئدة الناس، في كلا الحالتين أنت ناجح في عين نفسك، ويبقى النجاح الحقيقي عند انتهاء مهمتك في هذه الحياة والصعود للمحطة التالية بعد أن تركت خلفك أجمل جزء منك والذي سيلهم الكثير من بعدك..

كاتب رأي

 

وليد قادري

كاتب رأي وقاص

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى