عندما يحترق العمر

إنه يحترق من أجلهم مثل شمعة أحرق قلبها الخيط فلا هي استطاعت إنقاذ نفسها منه ولا هي تخلصت ممن قضى عليها
تلك العبارة الأليمة آنفة الذكر ، بها من المفاهيم ، والمصطلحات، والمعاني ما يجعل المرءَ يقف مشدوهًا بين مصدق لما يحدث ورافض لما يرى، يشعر بالوخز ويرفض الاعتراف بالأذى، يحس بالصعق، ولا يتقبل فكرة وجود التيار ، يشاهد بعينيه، ولكنه يلبس غطاء يحجب الرؤية.
لمَ كل هذا؟
ومن أجل من؟
وما المصلحة في ذلك؟
يتوهم الكثير أنّ له مقام رفيع عند البعض ،عند الأصدقاء ، الأقرباء، الأصحاب ، الأحباب ، الأخلاّء ولكنه يصطدم بالواقع المرير، واقع يوقضه من غفلته يعترف معه لنفسه ، فيقول بعد فوات الأوان ماذا فعلت بنفسي؟
كم من الأحداث والمواقف والحزات واللحظات مرت بنا وشاهدنا العقوق في رد الجميل ، كم من المرات رأينا من يغدق في العطاء، ويكثر في البذل، حتى يشعر الطرف الآخر بالامتلاء، عُجبًا، وغرورًا، وكِبرًا، وزهوا
ما أكثر ما شاهدنا من مواقف انسكبت فيها الدموع ، وأسودت فيها المحاجر، ما أقسى تلك الأحداث التي رأينا فيها من يضحي ثم يذبل ، يعطي حتى ينهد قوامه وتضعف قوته، ما أفضع أن يحترق العمر كاحتراق أعواد الكبريت ، ولا يجد فيها المرء كلمة تسند طوله ، وتبرئ جرحه، وتطيّب وجعه، كم هي الأوقات التي مرت بالشخص المعطاء وأخذ صفعات على جبينه ليس لقبح فيه ، أو سوء أدب ، أو قلة مروءة ، لا ! بل لأنه أغرق الجميع بالتضحيات، بالصدق ، بالوفاء، بالإخلاص ، ولم ينل من ذاك كله سوى التعب ، والألم ، والقسوة ، والعزلة ،فما صنعته يد الجميل والمعروف عاد عليه بالنكران، والجحود.
ببساطة شديدة وسخافة تتماهى في اللامبالاة،وتبلد في الاحساس، يأتي أحدهم وينسف تلك التضحيات، يشتت سهر تلك الليالي التي بُذلت من أجله، تلك الأوقات التي هُيّئت له ، يأتي ومعه أبشع الألفاظ، وأسوأ العبارات، بكلمة واحدة لا تحمل شيئًا من المسؤولية يقسم بها الظهر، ويبعثر الآمال ،ويدمر المكانة، ويهز الوجدان، غير آبه بما قُدم له من تسهيلات، ومواقف، طيلة الأيام والليالي والسنين.
كم هي الأوقات التي أحرقت نفوس الطاهرين والصادقين حروق تركت ندوبًا لن تبرأ ، وإن برئت ستبقى آثارها علامة بارزة لا يمحوها الزمن ، ولن تخفيها عمليات التجميل.
إنّ التضحية من أجل الانتهازيين، وأصحاب المصالح لن يجني من وراءها المرء سوى الإصابة بالحروق ، نعم سوف يصاب بحروق من الدرجة الثالثة،عندها يتفطر القلب ألمًا، وتتمرغ النفوس في وحل الخذلان ، كمدًا مما يُشاهد من عقوق ،إنها حروق حمراء ملتهبة ، مؤلمة للغاية ، التهاب يصل إلى العمق الداخلي للنفس ، ألم فضيع سوف يشعر به المخذول ، تهتز معه النفس، تظهر منها البثور، تتقيح وتنزّ الجروح ، تنسلخ الأعصاب، فيمتد الألم رويدًا رويدا حتى يكسر مقاومة النفس ويدمر جميع الطبقات الوجدانية، معها وبعدها لن تلتئم وستبقى ندبة على جبين الأخلاق.
ختامًا/
مأساة هي تلك السنين التي يحترق فيها الإنسان، ويحرق معها عمره من أجل أن يعيش مَنْ رأى فيهم مستقبله، ونور عينه، وصحة جسده، وذهاب همه وحزنه، فتلطمه تلك اليد التي مد يده لها لينتشلها من عوزها وحاجتها ، نعم مد يده لينتشلها من الضياع ، وحين تصل إلى بر الأمان ترد له المعروف بخزي وتجرد من المروءة.
أخيرًا/ لعلنا نراجع أنفسنا كثيرًا، في علاقاتنا، واختيارنا، ومشاعرنا،نعم لِمَ لا ؟ لم لا نراجع حياتنا مع من هم حولنا. أين المشكلة في أن نقيّم تجاربنا على أساس متين ، وفكر زاهي ؟ ينبغي أن نتجرد قليلاً من العاطفة ونُعمل عقولنا، نوازن بين الحاجات والاحتياجات ونكسر مجداف الشهوات والرغبات.
آخرًا/ إنّ مشاعر الإنسان عبارة عن أنسجة تنتشر في أنحاء جسده ولها نهايات حسية يشعر معها بالألم حال تعرضه له، مادام كذلك فلِمَ لا يصنعُ نسيجًا مضادًا للالتهاب والجحود الاجتماعي ، هذا النسيج سوف يساعده على تناول الحياة والعلاقات بتوازن،فلا تتعرض حياته للخطر.
انتهى
علي بن عيضة المالكي.
كاتب رأي
العلاقات وخيبات الامل مع الأسف اصبحت مرتبطة في كثير من الموآقف المختلفة بورك قلمك استاذنا الفاضل
بارك الله فيك أستاذتنا القديرة
شكرا لتواضعك.
استقطاع وقتك الثمين؛ لقراءة المقالة دليل وعيك وحسن إدراكك.
واقع
هذه الأحرف واقع فعلاً
لكن أتوقع أن التخلي وإخراجهم من دائرة الإهتمام عقار مفيد للعلاج
شكرا لمرورك العاطر كاتبتنا الغالية.
أعتقد أننا بحاجة لمراجعة عميقة للكثير من العلاقات.
ثم بعدها يكتفي الإنسان بنفسه.
شعور الخيبة … شعور قاتل
ولا سيما إذا كان ممن كان
تعقد الامال عليه …
كلمات رائعة أستاذ . علي
ووصف لخيبات ما أكثر ما نصاب بها …
فهل آن لنا أن نفيق …؟
أستاذة خديجة أنارت صفحتي بحضورك ودعمك لمضمون المقالة.
بارك الله فيك.
الجحود والخذلان .. داء يمرض صاحبه ومن تعرض له .. اللهم اكفناهم بماتشاء
دام المداد أ علي
مرورك وحده أضاء صفحتي.
شكرا أستاذة فتحية.
دعمك محل اهتمام.
ممتن لك.
يالله ما أبلغ الوصف أستاذ علي
فعلا مشاعرنا عبارة عن أنسجة تنتشر في أنحاء أجسادنا ولها نهايات حسية نشعر معها بالألم حال تعرضنا له .
وقد يميت ذلك الألم فلا نعد نشعر
بورك قلمك أستاذنا الفاضل
حضورك الباهي هو وصف جميل للمقالة
أنت من زين إطارها.
شكرًا أستاذة شقراء على دفء كلامك.
مقال جدا مؤثر💔
كم هي الأوقات التي أحرقت نفوس الطاهرين والصادقين حروق تركت ندوبًا لن تبرأ ، وإن برئت ستبقى آثارها علامة بارزة لا يمحوها الزمن💔
لافض فوك👍
جميل هو الدعم الذي نلقاه، من كاتبة مميزة ومؤثرة إعلاميّا على مستوى الوطن.
بارك الله مرورك كاتبتنا الغالية.
نعم كل مانسجته أحرفك ورسمته كلماتك مررنا به ولمسناه ونعيشه واقع مرير فلاأقسى على الإنسان من الجحود ونسف المعروف…
جمييييل الطرح والفكر والحرف. سلم مدادك وبارك الله في علمك وزادك نجاحاً🌹👌
سيدتي الأنيقة دعمك المسؤول لكل عبارة تدون ، هو محل تقدير واهتمام.
بارك الله فيك أستاذة زايدة.
ممتن لمرورك.