كُتاب الرأي

*عندما تُطلب الوساطة من السعودية *

 

*عندما تُطلب الوساطة من السعودية *

تطلب إيران اليوم وساطة السعودية في دلالات صريحة لمكانة المملكة العربية السعودية في حفظ السلام،
في خطوة لافتة تعبّر عن تحوّل في الحسابات الإقليمية، حيث تقدّمت إيران بطلب للمملكة العربية السعودية للتدخل والوساطة من أجل احتواء الأزمة المتصاعدة في المنطقة، وهذا الطلب، في سياقه السياسي والتاريخي، ليس مجرد إجراء دبلوماسي، بل يحمل دلالات أعمق تتصل بمكانة السعودية المتقدمة في معادلات التوازن والتهدئة وبمصداقيتها كقوة إقليمية رشيدة تمارس أدوارها بعيدًا عن الاستقطاب والهيمنة والتدخل في شؤون الدول وإثارة الفوضى.
ولطالما التزمت المملكة العربية السعودية بسياسة “اليد الممدودة” والدبلوماسية الهادئة في التعامل مع التوترات الإقليمية. ومنذ توقيع اتفاقية إعادة العلاقات مع إيران برعاية صينية، أثبتت الرياض أنها لا تسعى للتصعيد، بل للبناء والتقريب، مدفوعةً برؤية المملكة 2030 التي تؤمن بأن الاستقرار الإقليمي هو حجر الأساس لأي تنمية داخلية أو تكامل اقتصادي عربي-إسلامي.
وفي ذات السياق جرت مكالمة لولي العهد الأمير محمد بن سلمان .. مع الرئيس الإيراني “مسعودي بزشكيان” ويستنتج من ذلك ما للمملكة العربية ⁧‫السعودية من مكانة ‬⁩ بفضل مصداقيتها الدولية ودورها الكبير في المنطقة والعالم، حيث تلعب دوراً فعالاً للدفاع عن حقوق جميع المسلمين في المنطقة، وعن حقوق الإنسانية في العالم ، وليعم السلام العالمي.وليمثّل ذلك الموقف شهادة جديدة على مصداقية المملكة، حيث لم يعد يُنظر إليها فقط كدولة ذات ثقل اقتصادي وديني، بل كقوة ناعمة تجمع بين التأثير السياسي والمرجعية الأخلاقية في آنٍ واحد
إن السعودية تمارس سياسة الحياد الفاعل المتزن، وتختار المملكة العربية السعودية، وبقيادتها الحالية و منذ سنوات نهج الحياد الفاعل، القائم على ضبط النفس، وتقديم الحلول بدلاً من التورط في الصراعات. وضمن هذا الإطار، لتجيء استراتيجيتها في التعامل مع كافة الملفات الإيرانية والخليجية واليمنية وأزمات الوطن العربي في سوريا والسودان وغيرها، محافظة على خطاب دبلوماسي متزن، دون أن تفرّط في ثوابتها الأمنية أو مصالحها السيادية.
هذا التوازن جعل من السعودية طرفًا مقبولًا لدى كافة القوى الإقليمية، حتى تلك التي تختلف معها سياسيًا أو أيديولوجيًا، وهو ما يفسّر لجوء طهران إلى الرياض اليوم لطلب وساطة تُخفّف التوتر وتفتح نوافذ للحوار في منطقة الشرق الأوسط التي قد شابها تطورا دوليا في الاحداث ، والمشهد الإقليمي لا يزال متأزمًا في الحفاظ على استقرار الشرق الأوسط وخلوه تماما مما يهدد الإنسانية من ممارسة التسلح النووي وتطوير البرامج النووية
وموقف المملكة بين الإقليمية والدولية يتمثل بموقف الحضور السياسي القوي والمصداقية، ولا يمكن فصل الطلب الإيراني عن الحضور الدولي المتزايد للمملكة في السنوات الأخيرة. السعودية لم تعد فاعلًا إقليميًا فقط، بل أصبحت لاعبًا دوليًا رئيسيًا، يتفاعل مع القوى الكبرى على قدم المساواة، ويشارك في رسم سياسات الطاقة، ويستضيف القمم العالمية، ويتصدّر ملفات الإصلاح والبيئة والاقتصاد الرقمي، وهذه المكانة الدولية لم تأتِ من فراغ، بل من عمل دؤوب ومؤسسي، مدعوم برؤية تنموية طموحة (رؤية السعودية 2030) جعلت من الاستقرار السياسي والدبلوماسي أساسًا لبناء اقتصاد متنوع ومجتمع متماسك.
لكن ماهي الرسائل والدلالات والاستنتاجات لذلك الطلب الإيراني ؟
إن طلب إيران وساطة المملكة يتضمّن رسائل سياسية واضحة:
• اعتراف سعودي غير مباشر بمركزية الرياض في توازن القوى.
• إقرار إيراني بقدرة المملكة على التأثير في المجتمع الدولي.
• انفتاح على دور جديد للسعودية كوسيط لا كطرف في أزمات الشرق الأوسط.
كما أن هذا الطلب يؤكد ما سبق أن أثبته التاريخ: أن السعودية عندما تتدخل، فإنها تفعل ذلك بخطاب جامع، يقدّم مصلحة الشعوب على نزوات السياسة، ويجنّب المنطقة مزيدًا من الانقسام.
ختاما دور المملكة العربية السعودية لا غنى عنه، فمكانة السعودية اليوم لم تعد تُقاس فقط بثروتها أو عمقها الديني، بل بعقلانيتها السياسية وقدرتها على جمع المختلفين على طاولة واحدة. وفي الشرق الأوسط، حيث يكثر الغبار وتختلط الأوراق، تبدو الحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى صوتٍ متّزن مثل صوت السعودية… صوت يُصغي للجميع، ويعمل لأجل الجميع.

بقلم د.عبدالرحمن الوعلان
معد برامج تلفزيونية وكاتب

 

الدكتور عبدالرحمن الوعلان

كاتب رأي ومسرح ومعد برامج ومشرف في ظلال المشهد المسرحي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى