كُتاب الرأي

(عندما تتسق الإمكانات مع الشهادات )

 

لا شك أن الشهادات العلمية والأكاديمية وكذلك المهنية دليل معرفي على مدى ما يتمتع به الإنسان من قدرات ذهنية في الفهم والاستيعاب لما درسه وتلقاه من علوم ومعارف بالتالي يتحصل على الشهادة نتيجة لذلك الأثر وتلك المعرفة.
ولكن هل تعتبر تلك الشهادات كافية لنجاح الفرد في عمله، وفي محيطه الاجتماعي الذي يعيش فيه وأنه لا علاقة للإمكانات بما لديه من مؤهلات؟
هل تعتبر الشهادات عنوان عريض لكي تتحق على إثرها المبادئ والقيم أم أن الإمكانات لها رأي آخر؟
هل تعد أساسًا للإمكانات أم هي ضلع منها؟
الحقيقة من خلال معايشتنا للواقع بصورته اليومية يظهر لنا وقائع توضح : إنّ الحصول على الشهادات وحده لا يكفي ويلزم الفرد أن يبذل الجهود على أقصى ما يستطيع حتى يوازن بين ما اكتسب من علوم وبين ما تطلبه المهام من إمكانات وإلا تفوقت الإمكانات على المعرفة ، والدليل أننا قد نجد عاملاً بسيطًا يملك مزايا عديدة من القيم والمبادئ والمثل العالية ما يجعله يتفوق على أصحاب الشهادات العلمية، ولديه إمكانات بارعة تدخل في حيز استطاعته فيقوم بالتأثير إيجابًا ومباشرًا على منهم حوله نظرًا لوجود تلك السمات الرفيعة مما يجعلها تؤهله ليكون قدوة حسنة يحتذى بها بينما قد لا تتوفر أبسط هذه الإمكانات عند أصحاب الشهادات العلمية لظروف قد تعود للشخص نفسه.
هذا لا يعني أن الشهادة العلمية أقل شأنًا وأنّ الإمكانات أوفر حظًا، على العكس تمامًا، لو قدر لهما الاتفاق فيما بينهما – كما ذكرت آنفًا- واجتمعت خصال الإمكانات مع تفرد الشهادة لأصبح للفرد مكانة أعلى مما يتوقعها.
سأذكر موقفًا على سبيل المثال لا الحصر يشي بأهمية توفر الإمكانات لدى العاملين، والموظفين قبل التحصل على الشهادة
في زيارتي لإدارة شركة الكهرباء بمكة المكرمة صباح اليوم الأحد الموافق1445/12/24 لغرض الاطلاع على الاجراءات التي اتخذت تجاه موضوع يختص بخدمات المشتركين، لفت نظري شيء جميل هو وجود عربة متنقلة تستقل المراجع من البوابة الرئيسة للمبنى ثم يقوم قائدها بإيصال العميل لوجهته التي يريدها، هذا السلوك يعكس واقع الإدارة ومدى رغبتها في تسهيل المعاملات على المواطنين ، وتملك بعدًا إداريًا وإنسانيًّا في منتهى الجمال،أما الانطباع الآخر أثناء دخولي إلى المبنى قابلني موظفة تقوم بعملها في خدمة العملاء ،أخذتُ رقمًا،ثم جلستُ على كرسي الانتظار وأثناء جلوسي في المقعد المخصص للانتظار ، لفت نظري الأسلوب المهني ذو المستوى الرفيع لموظفي خدمات المستفيدين، وحسن التعامل واللطف مع المراجعين ، على الرغم أن صالة الانتظار في الشركة كانت مكتظة بالعملاء وهذا أمرٌ طبيعي نظرًا لأهميتها المرتبطة بمصالح الإنسان اليومية ، حالها كحال بقية المصالح الأخرى التي تقدم خدمة للمواطنين إلكترونيًا أو بالمراجعة الحضورية إذا اقتضت المصلحة ذلك، ومع أنها كانت ممتلئة إلا أن المهنية المتميزة للعاملين وحسن اللياقة اللفظية خففت كثيرًا من فترة الانتظار.
لكن المثير الآخر للاهتمام – أيضا- تلك الحركة الدؤوبة لمدير الشركة وإصراره على الخروج من مكتبه وتعاونه مع موظفيه،وإعطاء التوجيهات عن قرب ، وابتسامته في وجوه العملاء ، بالإضافة إلى التعامل المثالي من الموظفات عند مقابلة الجمهور خلق حالة من الرضى الشديد عند المراجعين. لقد كانت هناك مهنية عالية ، وتواضع ، وأدب ، وخُلُق رفيع منهم ، صدقًا وحقًا إنهم جمعوا بين الإمكانات والشهادات وفضّلوا القيام بالمهام دون النظر إلى قيم الشهادات التي يحملونها، ما جعلهم يكافؤون مكانتهم العلمية بإمكانتهم الأخلاقية، فأصبح هناك تمازج بين ما يقومون به من عمل يحتاج إلى مجهود بدني وحضور ذهني وأدبي وبين ما تلقوه من حصيلة معرفية أهلتهم لشغل الوظيفة
في الختام : نحن بحاجة شديدة لفهم واستيعاب ما تعلمنا ؛ فالعلم حجة قوية على صاحبه وكما أن العلم حجة فإنه يلزمنا التدريب المستمر على حسن المعاملة.

علي بن عيضة المالكي
كاتب صحفي وإعلامي

علي بن عيضة المالكي

كاتب رأي وإعلامي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى