كُتاب الرأي

بي بي سي: خادمة الاحتلال

محمد الفريدي

بي بي سي: خادمة الاحتلال

في زمنٍ صار فيه الإعلام أداة حرب أكثر من كونه مصدر للحقيقة، نكتشف الوجه الحقيقي لقناة «بي بي سي»، تلك القناة التي تدعى طوال عمرها الحياد، بينما هي ذراع إعلامي لخدمة آلة إسرائيل.

لقد أصبح الإعلام منذ زمن بعيد سلاحا بيد الطغاة اليهود، وتجسّد ذلك بوضوح في الوجه القبيح لـ«بي بي سي» التي لم تعد سوى ذراع إسرائيلي مقنّع بغطاء بريطاني، ذاك الغطاء الذي منح فلسطين يوما لليهود. فما تبثّه القناة ليس أخبارا ولا تقارير مهنية، بل أكاذيب مُحكمة الصياغة، مُكثّفة وموجّهة لتبرير الاحتلال وتشويه صورة الضحايا الفلسطينيين . كل فقرة تُكتب، وكل عنوان يُنتقى، وكل تقرير يُبث، ليس إلا جزءا من ماكينة تضليل تخدم آلة القتل وتغطي على المجازر التي يرتكبها المحتل.

هذه القناة لا تنقل الحقيقة، بل تروج لرواية الاحتلال ومصالحه، متنكرة وراء قناع الحياد المزعوم. لا يُسمح لأي صوت معارض بالظهور فيها، ولا تُعرض معاناة الشعب الفلسطيني إلا بما يخدم مصالحها، حيث يُحوَّل الواقع الفلسطيني المرير إلى أكاذيب مصقولة بعناية لتبرير مشاريع القوى الكبرى، بينما يُحجب الألم والقتل والظلم عن أعين المشاهدين.

في كل تقرير تتكشف الخديعة بوضوح: تُصوَّر الضحية أحيانا كمعتد، والمعتدي كمدافع عن السلام. لغة الأخبار مُهيأة لتلميع الاحتلال، وتجميل القتل، وإعادة إنتاج روايات مزيفة تصنع واقعا مغلوطا يجعل المشاهد العربي والغربي البسيط يصدقها ويستسلم لها بلا تفكير. الصحفيون أنفسهم لم يعودوا أكثر من آلات تنقل الأخبار وفق خطوط تحرير مرسومة؛ بلا حياد، بلا مهنية، وبلا شجاعة، مجرد أدوات في يد آلة التضليل التي لا تبحث عن الحقيقة بقدر ما تبحث عن صياغة أكاذيب مقنعة تُشرّع الجرائم وتُبرّر الطغيان.

«بي بي سي» منذ عرفناها لم تكن مجرد قناة إعلامية، بل آلة لتزييف الحقائق ومصنعا متكاملا للأكاذيب، تقتل الوعي الجماعي، وتحوّل الجماهير إلى متلقين سلبيين بلا تفكير، بلا مساءلة، وبلا مقاومة. وكل من يصدقها يصبح شريكا في جرائمها، سواء أدرك ذلك أم لم يدرك.

والتصدي لهذا التزيف ليس خيارا يمكن تأجيله، بل واجبٌ مصيري. كل تحيّز يجب أن يُعرّى، وكل تقرير كاذب يجب أن يُفضح، وكل رواية مزيفة يجب أن تُحطّم على رؤوس صانعيها. فالإعلام الحر لا يُقاس بعدد المشاهدات ولا بشعارات السمعة الدولية الزائفة، بل بقدرته على نقل الحقيقة كما هي، بلا رتوش ولا تلميع، بلا تزوير ولا تضليل، وبلا مواربة تخدم جلادي الحقيقة. أمّا الإعلام الذي يختبئ خلف الأقنعة، فليس إعلاما، بل شريكا في الجريمة وسلاحا بيد القاتل.

من يعلن حياده يخدم آلة القتل، ويصبح جزءا من آلة القهر نفسها، وشريكا في تدمير الحقيقة، ومساعدا في استعباد وعي شعوبنا العربية. ففي زمن الإعلام الرقمي، السيطرة على المعلومة تعني السيطرة على العقول، ومن يسيطر على العقول يسيطر على الواقع. ومن هنا، فإن فضح هذه القناة وانحيازها ليس مجرد واجب أخلاقي فحسب، بل فعل مقاومة حقيقية، يحرر العقول، ويعيد الحق إلى مكانه الطبيعي.

الصحفي الفلسطيني أحمد الأغا دفع ثمن صدقه وكلمته، وهو لم يفعل شيئا سوى نقل الحقيقة: والمجازر، والشهداء، والجرحى، والخراب في غزة. لكن الحقيقة هنا جريمة.

«بي بي سي» لم تتردد في إخضاعه للضغط، وحجب صوته، وحرمانه من المنصّة التي كان يستخدمها لكشف جرائم إسرائيل. كل ظهور له على الشاشة كان يربك آلة التضليل تلك، فجاء الرد الحتمي: تكميم فم حر، وكأن الحقيقة صارت عدوا يجب سحقه قبل أن تفضح زيفهم أمام العالم. أمّا الصحافة الغربية المؤيدة لإسرائيل، فقد شنت حملة تشويه منظّمة عليه، دفعت القناة إلى الخضوع والاستسلام لرغبات المحتل.

هذا ما تعنيه الحرية الإعلامية عندهم: إسكات صوت من يفضح جرائم إسرائيل وتواطؤهم، وتمكين من يبرّرها. منذ بداية العدوان على غزة، فرضت القناة رقابة صارمة على صحافييها العرب، تبحث في حساباتهم الشخصية، وتمنعهم من قول كلمة الحق، وأي صوت يرفع رأسه يُسحق، وأي صحفي جاد يُدفَع دفعا إلى الظل.

الأغا كان مجرد مثال، والقناة لم تمنعه رسميا، بل حشدت وسائلها لتكميمه بطريقة ذكية: كتجميد ظهوره، وممارسة الضغوط الخفية عليه، والترهيب المتواصل. وفي المقابل، فتحت الشاشات للمهرجين، لأولئك الذين يبيعون رواية المحتل ويقدّمونها على طبق من ذهب للعالم.

بي بي سي» لم تعد مجرد قناة، بل مشروع تحريف إسرائيلي: كل خبر يُعاد كتابته، وكل صورة تُعاد صياغتها، وكل دم يُخفَّف من قيمته، وكل ظلم يُبرَّر. إنها آلة تُعلِّم العالم أن المحتل على حق، وأن الضحايا مجرد أرقام في تقاريرها الإخبارية.

وهنا تتضح الحقيقة: الإعلام الغربي ليس إعلاما محايدا، بل أداة للقوة والبطش والاستبداد والتزييف والتزوير. وعندما تتحول قناة بهذا الحجم إلى خادمة لطرف واحد، تصبح الإنسانية ضحية، وتفقد العدالة قيمتها. وما نراه اليوم ليس مجرد حجب صوت صحفي، بل إعلان حرب على الحقيقة نفسها.

الصحفي الحر اليوم يُعتبر عدوا، والكلمة الصادقة أصبحت سلاحا ممنوعا، ونقل الحقيقة كما هي صار جريمة لا تُغتفر، والمقاومة لم تعد محصورة على الأرض فقط، بل امتدت إلى الشاشات والحسابات والمنصات، حيث يُسلب حق المعتدى عليهم في إيصال الحقيقة، ويُمنح القاتل الضوء والتمجيد والمساحة والتمكين.

أحمد الأغا ليس مجرد صحفي، بل رمز للمقاومة الإعلامية. كل ظهور له كان تهديدا لمنطق الكذب المؤسسي، وكل تقرير يكشف زيف القوى الكبرى، وكل كلمة منه صاعقة على خداع العالم الأول المتطور الذي يدعم سياسة الأرض المحروقة التي تمارسها إسرائيل.

ما فعلته «بي بي سي» مع الأغا ليس أمرا عاديا، بل نموذجا لما يحدث حين تتحول وسائل الإعلام الكبرى إلى أدوات للإجرام والطغيان السياسي، فالحرية الإعلامية في الغرب أصبحت شعارا فارغا، والكلمة الحرة جريمة، والحقيقة نفسها إمّا تُسجن أو تُشوَّه لتخدم مصالح الأقوياء وتبرّر ظلمهم في وضح النهار.

الواجب على كل من يملك صوتا أن يرفع رأسه، ويقول الحقيقة، ويقاوم آلة الكذب مهما كان الثمن، لأن الصمت اليوم خيانة، والكلمة الصادقة سيف الحق الوحيد في وجه آلة التضليل التي تحاول تزييف الواقع وتشويه الحقائق، وإخفاء دماء الضحايا لتبرير الظلم وتمرير مصالح الطغاة.

الصحفيون العرب اليوم أصبحوا هدفا للسياسيين في الغرب، وكل كلمة تُقال ضد المحتل أو تكشف جرائمه تُعاقبهم عليها المؤسسات الإعلامية الغربية. وقناة «بي بي سي» لم تُوقف الأغا صدفة، بل لأنها تدرك قوة الكلمة الصادقة؛ فكل خبر صادق، وكل صورة حقيقية، وكل دم يُكشف أمام العالم، يربك آلة التضليل ويهدد النظام الذي يسعى إلى تزييف الحقائق وتطويع الإعلام لخدمة مصالحه.

الاحتلال لا يحتاج إلى جيشٍ فقط، بل يحتاج أيضا إلى من يبرّر جرائمه. «بي بي سي» تلعب هذا الدور بلا خجل: تضليل، تزوير، تزييف للحقائق، وحماية للصهيونية. كل ظهور لصحفي يكشف المجازر يُعد تهديدا، وكل التزام بالحقيقة يُواجَه بالرقابة والحجب.

«بي بي سي» لم تعد مجرد قناة، بل رمز للازدواجية الإعلامية لكل صحفي يجرؤ على قول الحقيقة، ولكل ضمير حي يُهدد مصالح القوى الكبرى. وكل من يحاول كشف الظلم يواجه حصارا رقميا، إسكاتا ممنهجا، وعزلا منظما.

فمن يظن أن السيطرة على الأرض تكفي، يغفل أن السيطرة على العقول أخطر. وكل صحفي حر يقاوم آلة الكذب هو خط الدفاع الأخير عن الحقيقة. كل كلمة صادقة تُنشر هي انتصار صغير على آلة الإعلام الصهيونية.

الأغا ليس مجرد مراسل وصحفي، بل نموذج للشجاعة التي ترفض الانصياع، وللشرف الذي يضع الكلمة الصادقة فوق أي منصب أو وظيفة. وهذه هي الحقيقة الصارخة: في عالم يموت فيه الضمير كل يوم، الصحفي الحر هو البوصلة، والكلمة الصادقة هي النار التي تحرق أكاذيب آلة التضليل، والوعي هو السلاح الوحيد لمقاومتها وكشف زيفها أمام العالم. ومن يملك الشجاعة للوقوف في وجه الزيف، يكون قد وضع نفسه على طريق التاريخ، حيث الحقيقة لا تُقهر، والعدل لا يُهزم، مهما حاول الاحتلال والطغاة تقييد الكلمة أو إسكات الصوت.

كاتب راي

 

محمد الفريدي

رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى