كُتاب الرأي
علاقة الأبناء بالأجهزة الإلكترونية

الدكتور بندر صالح المالكي
علاقة الأبناء بالأجهزة الإلكترونية
بين التسلية والتهديد… ودور الأسرة في الوقاية
في السنوات الأخيرة، أصبحت الأجهزة الإلكترونية رفيقًا دائمًا للأطفال والمراهقين، بل وحتى جزءًا لا يتجزأ من نمط حياتهم اليومي. من الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية إلى شاشات التلفاز وألعاب الفيديو، تفتح هذه الأجهزة أبوابًا لا حصر لها من الترفيه والمعرفة، لكنها في ذات الوقت تُشكل تحديًا تربويًا ونفسيًا متزايدًا، يفرض على الأسرة مسؤولية مضاعفة في التوعية والوقاية.
*التعلق بالأجهزة: كيف بدأ؟*
بدأت العلاقة بين الأبناء والأجهزة بشكل بريء، من خلال الألعاب التعليمية ومقاطع الكرتون، لكن سرعان ما تطورت لتصبح إدمانًا على استخدام الشاشات في كل الأوقات، حتى في أوقات الأكل والنوم والمذاكرة. ومع تزايد سهولة الوصول للإنترنت وتنوع المحتوى، أصبحت هذه العلاقة أكثر عمقًا وتشابكًا، لدرجة أن بعض الأطفال لا يستطيعون قضاء ساعة دون النظر إلى الشاشة.
*الآثار السلبية للاستخدام المفرط*
1. *العزلة الاجتماعية*: حيث يفضل بعض الأبناء العالم الافتراضي على الجلوس مع العائلة أو الأصدقاء.
2. *تأخر المهارات اللغوية والحركية*: خصوصًا عند الأطفال دون سن السادسة.
3. *الإدمان والتشتت*: الاستخدام الطويل يؤدي لتدني التركيز والتهرب من المسؤوليات.
4. *التعرض للمحتوى الضار*: بما فيه العنف، التنمر، والانحرافات الفكرية.
5. *الآثار النفسية*: مثل القلق، الاكتئاب، والمقارنة المستمرة مع الآخرين عبر مواقع التواصل.
*الأسرة: خط الدفاع الأول*
تلعب الأسرة دورًا جوهريًا في الوقاية والتوجيه، وليس المنع التام هو الحل، بل الاعتدال والرقابة الواعية. إليك بعض الأدوار الحيوية:
1. *القدوة الحسنة*: عندما يرى الأبناء والديهم يستخدمون الأجهزة باعتدال ووعي، يتعلمون السلوك السليم تلقائيًا.
2. *تحديد الوقت*: كأن يُسمح باستخدام الأجهزة لمدة معينة في اليوم، وليس بحرية مفتوحة.
3. *المشاركة والمتابعة*: يجب على الوالدين معرفة التطبيقات والمواقع التي يزورونها، ومشاركتهم أحيانًا في أنشطتهم الرقمية.
4. *الحوار والتثقيف*: التحدث مع الأبناء عن المخاطر بطريقة تتناسب مع أعمارهم دون تخويف أو تهديد.
5. *توفير بدائل*: كتنمية الهوايات، وتشجيع الرياضة، والأنشطة الاجتماعية خارج الشاشة.
*تحديات العصر الرقمي*
قد يصعب على بعض الأسر السيطرة الكاملة في ظل الضغوط الاجتماعية والمدرسية، حيث تعتمد بعض المناهج على الأجهزة، ويستخدم الأطفال الإنترنت للتواصل مع أصدقائهم. لذلك، لا بد أن يتسلح الوالدان بالمرونة والحكمة، وأن يتم إنشاء اتفاقيات أسرية توضح الحقوق والواجبات في استخدام التقنية.
*نحو تربية رقمية واعية*
من الضروري اليوم أن نتحول من مجرد “مراقبين” لسلوك أبنائنا إلى “مرشدين” لهم في هذا العالم الرقمي. التربية الرقمية ليست ترفًا، بل أصبحت ضرورة تمكّن أبناءنا من التعامل مع الأجهزة بوعي، دون أن تبتلعهم الشاشات.
إن علاقتنا بالأجهزة الإلكترونية كأسر يجب أن تُبنى على مبدأ التوازن والاعتدال، لا المنع التام ولا الفوضى المطلقة. وتبقى الأسرة هي المدرسة الأولى التي تُحصن الأبناء من مخاطر التقنية، وتوجّههم نحو استخدامها كأداة للمعرفة، لا وسيلة للهروب أو العزلة.
*فلنبدأ من بيوتنا، ولنعلم أبناءنا أن التكنولوجيا خُلقت لخدمتهم، لا لامتلاكهم.*