عصفورين بحجر واحد!

جابر عبدالله الجريدي
عصفورين بحجر واحد!
ضرب يضرب اضرب ضرباً، وأسقط عصفورين بحجراً واحداً، ألقاه فذهب الحجر مسرعاً إلى العصفور الأول فأسقطه أرضاً، وما لبث لحظةً حتى ذهب مهرولاً فأسقط عصفوراً آخراً فخرَّا مغشيان عليهما بضربةٍ واحدةٍ فقط!
كُنَّا نسمع ذلك عندما كنا براعماً في الصف الأول ابتدائي، وأصبح يقول كلٌ منا لأخاه الآخر كيف بضربةٍ واحدةٍ يتم اصطياد عصفورين، هل أستاذنا الفاضل يمزح؟ أم أنه شاهد فلماً هندياً خيالياً فتأثر بقصته وسيناريوهات مخرجه!
ذهبنا مسرعين بعد ما سمعنا هذه الحركة العجيبة متأثرين بالعملية البطولية، فذهب كلٌ منا يشتري له (قتت) ربطة يستخدمونها للمال، وذهبنا بالمنشار نقطع به أغصان الشجر لنصنع بها مناطيب وهو جمع منطاب (منطاد) لنطبق هذه الضربة السحرية التي علمنا اياها الأستاذ، وبعد أن أكملنا عملنا وصنعنا سلاحنا الذي لا يبقي ولا يذر وكانت رصاصته الحجر ويهرب منه الطير إلى العِش والحُجر، ينتظر هل يكون الأول أو الثاني
شمرنا السواعد وعبرنا الحواجز وشددنا الأخذ وركزنا النظر وكنا لا نترك خلفنا أثر، تنظرُ إلينا العصافير وكأننا عصابةُ (المافيا بيرد) بين كر وفر وكلما تربصنا لطائرٍ فر، رأينا عصفوراً يغرد على شجرة وكأنه فارق حبيباً كان يعشقه فقلنا نقتله قبل ان تخنقه لوعة العشق، فبينما نحنُ نقترب منه ونحذوا حذونا لننقض عليه وقعت رجل أحدنا على عودٍ يابسٍ، فلأنه هامل انقض وسبب صوتاً جعل الطائرُ ينتبه لنا فلما رأنا نحدقُ بأبصارنا إليه ارتجف وترقلت ساقاه وطار بعيداً عن مكانه، فوجهنا حجارنا لضرب صاحبنا بعد أن كنا قريبين لصيد ذلك الطائر العاشق، فقال لنا مالكم لم أقصد فعل ذلك فقلنا له حسناً
كم من حجارةٍ حاولنا بها تطبيق هذه القاعدة والخطة التي أعطانا اياها استاذنا، صدنا الطيور حتى قربتُ اعدادهم من الهلاك، فقلنا لعلنا نطبق الحركة الأخيرة نجمع حجرين معاً ثم نرمي بهن في وقتٍ واحدٍ فتذهب إلى عصفورين فنكون قد طبقنا هذا السيناريو العجيب الغريب، كل ما ضربنا حجرين معاً لم يبلغا المقصود إما تساقط في مدى قريب، أو تصادمن فلا من عصفورٍ ولا طير، فقلنا نعود إلى منازلنا ونذهب غداً إلى استاذنا نقول له اننا جربنا فما حصلنا ماقلت لنا (عصفورين بحجرٍ واحد) فعله إن كانت هناك خطةٌ لا نعرفها فتِعلمنا إياها فعسى ان تكون هذه القاعدة صحيحة ونكون قد اسأنا الظن بك
نظر لنا وابتسم، فقلنا له هل أخبرتنا مشهداً قمت بنسخه من فلم أو نمت فحلمت به في الحلم، قال لا انتم لم تفهموا العبارة وفسرتم تلك العبارة بالبراءة، ليس المقصد من ذلك الصيد ورمي الحجارة بل لتأخذوا من ذلك حكمة ومقولة وإشارة، فأنا أقصد ان الإنسان قد يصيب إمرين بعبارة، ويكسب مكسبين بفعلٍ واحد بذكاءٍ وشطارة، المكسب ليس واحد بل إثنين نالهن عن جدارة، فمن خطط واجتهد وتعلم ودرس وفقه فاز بلا خسارة
أقصد ان من أحسن إلى عدوه كسب منه وده وأبعد منه شِراره، فالإحسان منه مرة فكسب بذلك العدو فأصبح صديقاً ونجا من شره وكيده أيضاً تارةً أخرى (عصفورين بحجر) من بر والديه حصل على شيئين بفعلٍ واحد وهو ان ابناءه يبروه وفي الآخرة يجد الجنة داره، ومن أحسن إلى عاملٍ يعمل عنده كسب وده وجهده وإخلاصه، فزراعة الشجرة مرةً واحدةً ولكنك تجني منها ثماراً وظلالاً (شيءٌ بشيئين) اي (حجر بعصفورين)
كان هناك (دكانيين) وكان يملكه أخوين ولكل واحدٍ منهم في دكانه عامل يعمل لديه بأجرةٍ، أحدهما طيباً ليناً متساهلاً متغاضين نصوحاً لذلك العامل فكان يُظهر له الحب والإحترام فأحب ذلك العامل صاحب المحل فأصبح يعمل له حباً وإخلاصاً لأن مالك المحل قد ملكه بأخلاقه فضرب صاحب المحل أمرين عمل هذا العامل وصدقه وإخلاصه في العمل وعدم التلاعب والمخادعة والتكاسل، بينما الأخ الآخر كان غليظاً شديداً عسير المحاسبة والإنتقاد منفراً بأخلاقه فأصبح العمال يتراودون اليه يأتون ويذهبون لا تجد من منهم مدة كثيرة عنده يأخذون وكانوا يكثرون المشاكل والتحايل فلم ينفعه ذلك بل ضره وأضر عمله فلا عاملٌ عنده باقٍ ولا عملاً صادقاً يُشكر عليه
فكُن أنت الأول وليس الثاني تعلم كيف تضرب (عصفورين اثنين بحجرٍ واحد).
كاتب رأي