عصر اختفاء العيب

سمير الفرشوطي
عصر اختفاء العيب
في زمنٍ مضى، كانت كلمة “عيب” تتردد في أرجاء مجتمعاتنا كصدى يذكرنا بقيمنا وأخلاقنا. اليوم، نجد أنفسنا في عصرٍ جديد، عصرٍ تلاشت فيه هذه الكلمة وكأنها أصبحت من مخلفات الماضي. هذا التحول الجذري في مفاهيمنا وقيمنا يثير تساؤلات عميقة حول هويتنا وأخلاقياتنا كمجتمع.
الزمن الطيب: عندما كانت “عيب” درعاً أخلاقياً في الماضي القريب، كان مجتمعنا يعتمد على مفهوم “العيب” كأساس للتربية والتنشئة الاجتماعية: احترام الكبير: كان من العيب أن لا نُظهر الاحترام لكبار السن. تقدير الرجال: كان المجتمع يؤكد على أهمية احترام الرجال كعمود للأسرة. إكرام الضيوف: كانت ضيافة الزائرين واجباً اجتماعياً لا يمكن التغاضي عنه. تبجيل المعلم: كان المعلم يحظى بمكانة خاصة، واحترامه من أساسيات الأدب. حسن الجوار: كان من العيب إزعاج الجيران أو التقصير في حقوقهم. هذه القيم كانت تشكل نسيجاً اجتماعياً متماسكاً، يحمي المجتمع من التفكك والانحلال. العصر الحديث: تبخر مفهوم “العيب” و”الحرام” في عصرنا الحالي، نشهد تحولاً جذرياً في المفاهيم والقيم: تلاشي الحدود الأخلاقية: أصبحت الخطوط الفاصلة بين ما هو مقبول وما هو مرفوض ضبابية. انحسار مفهوم “الحرام”: حتى المحرمات الدينية لم تعد تحمل نفس الثقل في وجدان الكثيرين. التحرر من قيود الماضي: يرى البعض أن التخلص من مفهوم “العيب” هو تحرر من قيود بالية.
صراع الأجيال: أصبح من يتمسك بقيم الماضي يُنظر إليه على أنه “من جيل قديم”. هذا التحول يدفعنا للتساؤل: هل فقدنا البوصلة الأخلاقية التي كانت توجه مجتمعنا؟ صرخة الشاعر: نقد ذاتي للمجتمع في خضم هذه التحولات، تأتي أبيات الإمام الشافعي لتذكرنا بأهمية النقد الذاتي والمسؤولية الشخصية: نَعيبُ زَمانَنا وَالعَيبُ فينا وَما لِزَمانِنا عَيبٌ سِوانا وَنَهجو ذا الزَمانِ بِغَيرِ ذَنبٍ وَلَو نَطَقَ الزَمانُ لَنا هَجانا وَلَيسَ الذِئبُ يَأكُلُ لَحمَ ذِئبٍ وَيَأكُلُ بَعضُنا بَعضاً عَيانا هذه الأبيات تدعونا للتأمل في أنفسنا قبل أن نلوم الزمان. فالعيب ليس في العصر، بل فينا نحن. نحن من نشكل مجتمعنا، ونحن من نحدد قيمه وأخلاقياته.
دعوة للتأمل والعمل: إعادة إحياء “العيب” بمفهوم عصري إن اختفاء كلمة “عيب” من قاموسنا اليومي يدفعنا للتساؤل: هل يمكننا إيجاد توازن بين قيم الماضي ومتطلبات الحاضر؟ نحن بحاجة إلى: إعادة تعريف “العيب”: ليس كقيد، بل كبوصلة أخلاقية تناسب عصرنا. تعزيز المسؤولية الشخصية: كل فرد مسؤول عن تصرفاته وتأثيرها على المجتمع. التربية على القيم: غرس القيم الإيجابية في الأجيال الجديدة بطرق تتناسب مع عصرهم. الحوار بين الأجيال: جسر الفجوة بين الماضي والحاضر من خلال التفاهم المتبادل. إحياء روح المجتمع: تعزيز الروابط الاجتماعية والتكافل بين أفراد المجتمع.
الخاتمة: نحو مستقبل يجمع بين الأصالة والمعاصرة في النهاية، علينا أن ندرك أن تغير المجتمعات أمر حتمي، لكن الحفاظ على جوهر قيمنا الإنسانية هو ما يضمن استمرارية هويتنا وتماسك مجتمعنا. لنعمل معاً على إحياء روح “العيب” الإيجابية، تلك التي تدفعنا نحو الاحترام المتبادل والتعاطف والتسامح، دون أن نفقد هويتنا أو نتخلى عن تطلعاتنا للمستقبل.
كاتب رأي وإعلامي