كُتاب الرأي

عزنا في طبعنا .. 95 عاماً من الفخر والكرامة

باسم سلامه القليطي

عزنا في طبعنا .. 95 عاماً من الفخر والكرامة

 

الوطن ليس جغرافيا نرسمها على الخرائط، بل روح تسري في الدم، وذكرى تولد مع الصباح وتنام في صدورنا كل مساء. وفي اليوم الوطني الخامس والتسعين، نقف أمام المرآة لنرى أنفسنا بصدق: عزنا ليس في الذهب ولا في الأبراج، بل في طبعنا، في تلك الملامح التي حملها الأجداد، وزرعها الآباء، ويجنيها الأبناء اليوم في صورة وطن قوي شامخ.

نحن أبناء أرضٍ علمتنا صحراؤها الصبر، وبحرها العزم، وجبالها الثبات. طباعنا ليست مكتسبة من كتاب، بل من تفاصيل الحياة: من الخيمة التي لم تُغلق بابها في وجه عابر، ومن الميدان الذي لم يعرف فيه الفارس إلا النصر أو الشهادة. هذه الأطباع هي التي صنعت لنا كرامة لا تُشترى، ومجدًا لا يُستعار.

الأصالة عندنا مثل نخلة في قلب الصحراء، تضرب بجذورها عميقا في الأرض، وترفع رأسها عاليا نحو السماء. الأصالة ليست مجرد ماضٍ نفتخر به، بل هي الحاضر الذي نعيشه والمستقبل الذي نصنعه. أصالتنا في عاداتنا، في تراثنا، في لغتنا، في تاريخنا الذي حفظ لنا مكانة عالية بين الشعوب. نحن أمة لم تترك جذورها، بل جعلت منها منطلقا للتجديد والبناء.

الطموح عندنا يشبه الأفق: كلما اقتربنا منه، اتسع أمامنا. لم نقف عند حدود النفط، ولا اكتفينا بما كان، بل جعلنا الطموح رفيقا يوميا: نراه في أبراج المدن الحديثة، في جامعات تُخرّج علماء، في موانئ تعانق العالم، وفي عيون شباب وفتيات يرون أن المستحيل كلمة لا تعني شيئا.

في قاموس هذا الوطن، لا مكان للخذلان. إذا نادى الملهوف، جاءه الجواب من كل صوب. الفزعة ليست عادة طارئة، بل دم يسري في العروق. بها صُنعت الوحدة، وبها صانت القبائل كرامتها، وبها اليوم نصنع مجتمعا متماسكا، يقف كتفا بكتف، ويقول: إذا سقط واحد، حمله الجميع.

حين يجلس الضيف على مائدة سعودية، لا يرى الطعام فقط، بل يرى القلب مفتوحا أمامه. الكرم عندنا ليس مظهرا اجتماعيا، بل ترجمة صادقة لإنسانيتنا. هو ابتسامة في وجه غريب، وهو مكان يُفسح في المجلس، وهو قهوة تُصبّ قبل أن يُطلب صبّها. الكرم عندنا يُقال عنه: “طبع”، لأنه لا يُفكَّر فيه، بل يُمارس تلقائيا.

الجود هو أن تبذل وأنت لا تملك إلا القليل، وأن تُعطي وكأنك لا تعرف إلا الوفرة. جود هذا الوطن تخطى حدوده: مدارس تبنى في قرى بعيدة، إغاثات تصل إلى شعوب منكوبة، ومواقف إنسانية تروي للعالم كله أن في قلب السعودية مساحة للجميع. الجود هو توقيعنا الذي نضعه على كل خريطة، وكل ضمير.

ولأن الطبع لا يكتمل إلا بنظرة للمستقبل، جاءت رؤية 2030 لتقول: نحن أمة تعرف أصالتها، وتعرف أيضا كيف تصنع غدها. رؤية تضع الحلم على الطاولة، وتحوّله إلى خطة، ثم إلى منجز. رؤية ليست أرقاما جامدة، بل قصة وطن يقول: نحن أبناء التاريخ وأبناء الغد في آنٍ واحد.

في ختام هذه الأنشودة، نقول: خمسة وتسعون عامًا مضت، ولم يزل هذا الوطن يولد كل يوم جديدا. عزنا ليس في مظاهر الدنيا وحدها، بل في طباعنا التي صارت كنزا لا يُفنى: أصالة تُشرفنا، طموح يرفعنا، فزعة تحفظنا، كرم وجود يُكرمانا، ورؤية ترسم لنا دربا نحو مستقبل يليق بعزنا.

كاتب رأي

باسم القليطي

كاتب رأي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى