كُتاب الرأي

عالم زبالة

 

كثير ما نردد عبارة (المظاهر خدّاعة)، ونؤمن بها كحقيقة مسلمة، ولكن في هذا الموضوع بالأخص لدي تحفظ وسؤال بسيط عن حقيقة هذه المقولة، وعلاقتها بواقعنا الذي نعيش فيه، فهل بالفعل المظهر الخارجي يخفي خلفه جواهر تختلف عما في دواخلنا ؟

المظهر الخارجي هو أول ما يلفت انتباهنا عند لقاء أي شخص، ومظهره هو ما يشكل انطباعنا الأول عنه، الذي قد يكون خاطئاً في بعض الأحيان، ولكن لن يزول على أي حال من ذاكرتنا التي سجلت عنه هذا الانطباع، ولن تغيرها في نفس الوقت بسهولة.

نحن نعيش في عالم يهتم بالمظاهر أكثر من اهتمامه بالمخابر، وتلعب ملابسنا الأنيقة، ومظاهرنا الخارجية دوراً كبيراً في تكوين الانطباعات الإيجابية، وقد تترك أثراً حسناً في نفوس الآخرين عنّا، أو قد تترك أثراً سيئا.

يقال في كتب الفلسفة إن رجلاً دخل على سقراط ذات مرة، وهو يتبختر بملابسه الفاخرة والأنيقة، وإطلالته الجميلة، فقال له سقراط: تكلم حتى أراك.
وما إن تكلم الرجل حتى عاد إلى حجمه الحقيقي.
كلامنا إذن هو مرآة لعقولنا ونفوسنا ومخابرنا وجوهرنا، وحقائقنا المغايرة التي لا نريد أن يراها أحد، أو يطلع عليها، نخفيها خلف مظاهرنا الخارجية، ﻭملابسنا الأنيقة، و (شوفة انفسنا) على الآخرين.

وعلى الرغم من أهمية عقولنا، وجوهرنا ومخبرنا، ومنطقنا، فإن إهمال مظهرنا الخارجي يؤثر سلبا على نظرة الآخرين لنا، ولو كنا نتمتع بهذه الصفات الجذابة كلها.

إن التنافس على الظهور بمظهر جذاب يزداد بيننا يوماً بعد يوم، لأن مظاهرنا صارت مفاتيحنا المهمة التي نفتح بها الأبواب المغلقة، في العمل، والمدرسة، والجامعة، وحتى في علاقاتنا العامة والخاصة .

فكم من شخص فقد فرصة عمل ثمينة، بسبب مظهره غير اللائق، وكم من شخص حرم من تكوين صداقات جديدة، بسبب إهماله لمظهره الخارجي.
المظهر الأنيق يعكس احترام الشخص لنفسه أولاً وللآخرين، ويعكس ثقته بنفسه وقدراته ثانيا.

ولكن، هذا لا يعني في نفس الوقت أن يصبح هو المعيار الوحيد للحكم على الآخرين، نعرف أشخاصا، وتعرفون أنتم الكثير من الذين يتمتعون بمظهر خارجي جذاب، ويفتقدون لأبسط معايير القيم والمبادئ الإنسانية، والصفات الحميدة، والأخلاق الكريمة، ونعرف أيضاً آخرين لا يظهرون بمظهر جذاب، ولكنهم يتمتعون بأخلاق رفيعة وعقول نيرة.

ولهذا أنا مع القول الذي يقول بأن المظاهر الخارجية سلاح ذو حدين، إما أن تكون وسيلة إيجابية لتعزيز الثقة بالنفس، وتحسين الصورة الذاتية، وإما أن تكون وسيلة سلبية لإخفاء العيوب الداخلية واستغلالها من ضعاف النفوس للتلاعب بمشاعر الآخرين.

جمالنا الحقيقي هو جمال أرواحنا وأنفسنا، ومظاهرنا الخارجية تتغير كما تتغير ملامحنا مع مرور الزمن، وتبقى أخلاقنا، وقيمنا، وما نؤمن به من مبادئ وقيم، هي أساسنا المتين لبناء علاقات إنسانية ناجحة وقوية تدوم طويلا، فلنهتم بمظهرنا الخارجي، ولا ننسى الاهتمام بجمالنا الداخلي، فكل واحد منهما يكمل الآخر، ويسهم في بناء شخصيتنا.

لا يمكن أن نعمم حكماً واحداً على جميع الحالات، ففي بعض الأحيان، يكون المظهر انعكاساً حقيقياً لشخصية الفرد وقيمه، فعلى سبيل المثال، قد يعكس مظهر الشخص الرياضي اهتمامه بصحته ولياقته البدنية، ويعكس مظهر الفنان إحساسه المرهف وذوقه الرفيع، ولكن في أحيان أخرى، قد يكون المظهر قناعاً يخفي وراءه شخصية مختلفة تماماً عما نراه بظاهرها، فقد نجد شخصاً يهتم بمظهره الخارجي بشكل مبالغ فيه لإخفاء عدم ثقته بنفسه، أو للتغطية على عيوب أخرى في شخصيته، وهنا يأتي دور الفطنة، والذكاء في قراءة لغة الجسد، وتحليل السلوك، لفهم الشخص بعمق، فالمظهر الخارجي جزء صغير من شخصية الإنسان المعقدة، ولا يمكن الاعتماد عليه وحده في الحكم على الآخرين.
والحكم على الناس بناء على مظاهرهم الخارجية فقط حكم باطل، وغير صحيح، فكم من شخص مر علينا مهمل لمظهره، ويتمتع بقلب طيب ونفس كريمة، وكم من شخص ذو مظهر خارجي جذاب، ويخفي وراءه نوايا سيئة، وأخلاق منحطة، وشخصية اقل ما نستطيع أن نقول لها في وجهها، ﻭ نمضي : (عالم زبالة).

لذا، علينا أن نتحلى بالحكمة، وأن ننظر إلى ما وراء المظاهر الخارجية، لنكتشف الجمال الحقيقي الكامن في نفوس الآخرين الطيبة، وعقولهم النيرة.

محمد الفريدي

محمد الفريدي

رئيس التحرير

‫2 تعليقات

  1. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته …
    ما شاء الله تبارك الله
    مرور المرء على كثير من المواقف الحياتية
    ومداومة الاطلاع والقراءة والسماع لتجارب الآخرين
    يقوي لديه ملكات كثيرة وكبيرة وعميق جدا
    شكرا شكرا شكرا للمواقف والتجارب التي أسالت لنا
    قلمك الجميل السيّال على الوصف والتوصيف الحقيقي الواقعي
    إلى الأمام أبا سلطان
    وفقكم الله تعالى وحرسكم من كل شائن وحاسد .

    1. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
      دكتورنا الفاضل وأديبنا الكبير الدكتور سالم بن رزيق حفظه الله

      كل الشكر والتقدير لكم على كلماتكم الكريمة، ودعواتكم الطيبة، ورسالتكم هذه بمثابة وسام شرف أضعه على صدري، وحافز يدفعني للمضي قدما نحو الأفضل.

      صدقت يا أستاذي، فالتجارب هي مرآة نرى فيها أنفسنا، ونستخلص منها الدروس والعبر، والقراءة وسماع تجارب الآخرين تثري تجاربنا وتوسع مداركنا.

      أسأل الله تعالى أن يجعلني عند حسن ظنكم، وأن يوفقنا لنفع الناس بما علمنا، وأن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح.
      وتقبل تحياتي.
      أخوكم/ أبو سلطان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى