صناعة النموذج

في مراحل الإنسان المختلفة وهو يسير وينتقل من مرحلة إلى أخرى ، وهو يتعرض في كل مرحلة من مراحل سيره إلى صور من الأشخاص الذين يحملون الصفات الإنسانية المثلى والصفات الشيطانية المثلى والذين يتذبذبون بين هؤلاء وأؤلئك ولا يثبتون على لون أو شكل أو طريقة أو شخصّية وأؤلئك فئام الناس .
إن الطفل الغرير يفتح بصره على شخصية أمه الحبيبة وشخصية أبيه القريبة وهما عالماه الكبيران ومدرسته الأولى وهما الغارسان فيه المنظومة الكبرى للقيم والأخلاق وحسن المعاملة والمعاشرة وهما القدوتان العظيمتان عنده لا يفرقان خياله حتى إذا بلغ من العمر عتيّا ونال به الهرم ما نال منه !
تقدم الأسرة ممثلة في الأمهات والآباء صوراً ورموزاً للأولاد ، تبقى القبس الذي يقبسون منه والنجوم التي يهتدون بها ، والقمم التي يسعون على طول حياتهم
للوصول إلى ذراها ، وملامسة السحب التي تكللها !
وكلما حبب الآباء والأمهات الأولاد فيهم ؛ كلما عاش الأولاد في هذه القدوات والرموز وأقتدوا بهم وساروا على نهجهم وطريقتهم وكانوا لهم المدد الحقيقي والمعنوي في إستمرار حركة القافلة الإنسانية التي تسير نحو الخير والصلاح والفلاح .
لذا كانت المسؤولية كبيرة وجسيمة على الآباء والأمهات فليست التربية والتعليم ما يتعلق بتوفير الاحتياجات الضرورية من المآكل والمشارب والمساكن والمراكب وتوفير التعليم في المدارس كلا ؛ وإنما مع
توفير ذلك كله لا بد من التربية والتنشئة ؛ فإن صور القدوات الحقيقية تبقى أمام الأولاد هي أس وأساس التربية والتنشئة والتعليم وأساس صناعة الإنسان الحقيقي .
ويبقى الأولاد يبحثون على طول حياتهم عن رموز وقدوات في شتى الفنون والمجالات وربما صنعوا من
الذين هم يعجبون بهم ويحبونهم محبة إعجاب قدوة وأسوة ونموذج لهم ، يحتذى به ، وربما ظهر أؤلئك القدوات والرموز على صورهم العادية في حياتهم الطبيعية ؛ فإذا هم يخطئون ويصيبون ويكذبون ويصدقون ويكرهون ويحبون وتلك حقيقة صورهم الحقيقية التي يخبئونها عن الناس .
فيظهر على الأولاد أنهم ينفرون منهم ويبتعدون عنهم وتسقط صور المثل والنماذج عندهم ، فتنحدر بهم الحياة ويتردى بهم السلوك والتصرفات!.
إننا اليوم أمام إعلام متنوع وقنوات تواصل اجتماعي تقدم القدوات والرموز والنماذج المختلفة والمتباينة لأولادنا من البنين والبنات في كل فنون الحياة المختلفة والمتباينة ، إنها تصنع النماذج الإيجابية والتفاؤلية الطيبة أو السلبية لهم !
إن الأدوار والمهام والمسؤوليات المنوطة بالآباء والأمهات والقائمين على التربية والتنشئة والتعليم والتوجيه والإرشاد عظيمة وكبيرة فعليهم أن يكونوا قدوات ورموز حقيقية مشاهدة ملموسة للنشء.
فهم الذين يرشدونهم ويوجهونهم إلى اختيار القدوات الصالحة المصلحة ويقتربون منهم في كل شؤون حياتهم ويدعمونهم بالتحفيز والتشجيع والمساعدة والحب والبذل والتضحية والعطاء .
إن الصور والنماذج التي تعرض نفسها أمام الأجيال الواعدة تحتاج منا جميعاً إلى توجيه و توعية شبابنا وشاباتنا بالاختيار الأفضل والأحسن لهم ، والإقتداء بمن يمثل الخير والصلاح والفضيلة ، وأن النماذج التي يختارونها هي سر سعادتهم في دنياه والآخرة.
ولذلك كان لازماً على الآباء والأمهات والمربين
والمربيات وممن يعمل في هذا المجال العظيم أن يرسم للشباب والشابات أهم صفات وسمات القدوات والرموز الحقيقية والتي تصلح أن تكون نماذجاً حيّة يقتدي ويهتدي بها في فنون الحياة المختلفة.
وليكونوا هم أول النماذج الفريدة والمميزة والأسوة والقدوة الحسنة الطيبة الجميلة.
المصلح والمستشار الأسري
د. سالم بن رزيق بن عوض.