سياسة النفس

سياسة النفس
النفس هي المحرّك الأساسي للجسد، وهي التي تمنحه الوعي والإدراك، والإرادة، والشعور.
النفس هو حجر الزاوية للتغيير والإصلاح، والموجّه والمسؤول عن سلوكيات الإنسان وأفكاره ونزواته وأخلاقه وانفعالاته وتوجّهاته.
الإنسان هو القائد لنفسه، فعليه أن يُحسِن التعامل معها بحيث يتحكّم في أهوائه، ويضبط مشاعره، ويوازن بين رغباته ومبادئه؛ لكي يستطيع السيطرة عليها، ويوجّهها نحو الأفضل.
مجاهدة النفس ليس بالأمر الهيّن فهو أفضل جهاد، وهذا ما ذكره الإمام علي بن أبي طالب -كرم الله وجهه-: ” أفضل الجهاد من جاهد نفسه التي بين جنبيه”، وقال الإمام ابن الجوزي:” تأمّلت جهاد النفس، فرأيته أعظم الجهاد”؛ لذلك يحتاج هذا الجهاد إلى الصبر، والإصرار، والعزيمة، والإرادة القوية؛ لكي ننتصر على تلك النفس، فهو أعظم انتصار يمكن للمرء أن يُحقّقه.
سياسة النفس سياسة حكيمة دون إفراط ولا تفريط، فليست شعارًا للزهد، ولا دعوةً للتقشف العاطفي، بل هي فنّ راقٍ من فنون الحياة بحيث تزرع داخل روحك نظامًا داخليًّا من الانضباط، والتّحكّم بذاتك، وتعلّم قلبك كيف يتوقّف عندما تشتد الرغبة، وكيف ينبض بالعقل، لا بالعاطفة وحدها.
التّحكّم بالنفس (الذات) ليس خداعًا أو مكرًا، بل جهاد يحتاج إلى الصبر، والحِلم، والحِكمة.
هذه السياسة تشتمل على عدة ضوابط منها:
١- ضبط النفس؛ لأن عدم ضبط النفس يُؤدّي بالإنسان إلى الغضب، ويقودك إلى اتخاذ قرارات ربما تندم عليها لاحقًا لكن عندما تمنح لك مساحة من التفكير والتأمل قبل الرد يمنحك فرصة؛ لاختيار أسلوب راقٍ ومناسب، ويمنعك من أن تكون رهينة للموقف أو الشخص الذي أثارك.
٢- مراجعة الذات: والمقصود به هو محاسبة النفس، فإذا عرف الإنسان عيوب نفسه وآفاتها دَفَعَه ذلك إلى محاسبتها، ومجاهدتها؛ ليصل بها إلى تزكيتها من تلك العيوب، فإنْ تمّ له ذلك فقد فاز وأفلح، قال الله في محكم التنزيل: ” وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا (10).
هذه المحاسبة تنمّي الضمير، وتُهذّب الأخلاق، وتجعل الإنسان يرتقي في تعامله مع نفسه والناس.
٣- الصبر والثبات في المواقف.
٤- تهذيب الرغبات: (أي بعدم الانسياق وراء الشهوات والملذات)، وذلك بترويضها، وحجمها لذا قال تعالى:” وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الهوى”.
النفس بأي حال من الأحوال تميل إلى الحرام والمعاصي والمآثم، فإن حَجَم الإنسان عن تلك المحرمات، فمن تمكّن من ضبط نفسه وزجرها عن ذلك، فقد فاز بالجنة، قال تعالى:( فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى).