كُتاب الرأي

صناعة الصلابة النفسية

د. سالم بن رزيق بن عوض

 

صناعة الصلابة النفسية

طبيعة  التربية والتنشئة والتعليم التي  يمر  بها الإنسان على  مدار  مراحل  النمو  والتطور   تؤثر  في  شخصيته  ؛ كذلك  في  نظرته  إلى  نفسه وأسرته  وإلى  الآخرين  ، فكلما  كانت متزنة  متوازنة  ، وكلما  كان  فيها  الرفق  والهدوء والسلامة،  وكلما  كانت  فيها  الحكمة ؛ كانت تلك التربية والتنشئة طبيعية.
وقد  ينال المرء  حظه من  تلك التربية والتنشئة والتعليم والتقويم والتهذيب السليم  الذي  يؤدي  به إلى  القوة والعزيمة الصارمة الحازمة  في نظرته إلى نفسه وأسرته  وإلى  من  حوله  من العالم المحيط  !. وقد   لا  ينال  من ذلك   حظاً وافراً في  مراحل  حياته المختلفة والمتباينة  .
يتفاوت  الناس  في  تحمل  أعباء  الحياة  الدنيا !  وما  تحمله من المشاق العظيمة والكبيرة   والتحديات والصعوبات والعقبات  التي  تصعب كثيراً  على  بعضهم  تحملها  !  وربما  نجح  بعضهم  في  تجاوز  تلك  التحديات والصعوبات والعقبات! والسر   في هذا  النجاح والتفوق الحقيقي  وتجاوز  تلك  الصعاب والتحديات  يختلف  بين الناس  بعضهم  عن  بعض !.
في  عصر  الناس  هذا  زادت  التحديات والصعوبات والعقبات والمؤثرات والضغوط المختلفة والمتباينة  على  الناس  !  وذلك
  لكونهم  يطلبون  إشباع جميع احتياجاتهم وضرورياتهم  ؛  ودون  تحقيق  تلك المطالب  الأعمال اليومية الشاقة والمتعبة ! وعدم وجود  سقف  لتلك الاحتياجات الضرورية والأساسية  ؛  والتنافس الشديد  على كل  متطلبات  الحياة الإنسانية  !
إن القدرة  والقوة  على تحمل  الأعباء والتحديات والصعوبات والعقبات في  الحياة الإنسانية اليومية  ؛ والتوازن والإتزان  ما  بين  المتطلبات والتحديات الداخلية والخارجية  هو  ما  يعرف بالصلابة  النفسية  لدى  الإنسان  الحقيقي السوي  !
ونجاح  الناس  في تلك الابتلاءات  والاختبارات  وما  يعرف  بالتحديات والصعوبات والعقبات والمؤثرات  ؛  وحسن الإدارة والقيادة  للنفوس الغالية  والسامية والعظيمة  حقيقة مرهون  بعدد من  العوامل  والمؤثرات  منها :
أولاً:  طبيعة  النفوس  البشرية  :
بعض النفوس البشرية والأرواح الآدميّة المطمئنة الجميلة  مفطورة  ومهيأة  لتحمل أعباء  الحياة  الإنسانية! وتحمل  الإنكسارات  والعقبات  ،  وتحمل الضغوط  العالية الكبيرة  في  الحياة الإنسانية  !  والخروج منها  ! والانتصار  عليها ! وهي قوية كبيرة وعظيمة وشامخة ، وهي كذلك  معدّة  لتكون قادرة  وناجحة  ومميزة  ،  وقد  تكون  نظرة  تلك النفوس البشرية إلى  أنفسها  وإلى  العالم  والحياة  والكون  النظرة الإيجابية والتفاؤلية  ، فالنجاح  والتفوق الحقيقي  والتميز   قوة حقيقية ينبع  من داخل  تلك النفوس والأرواح  الكبيرة والمشرقة .
ثانياً: طبيعة التربية والتنشئة  في الأسرة الكريمة:
في الحياة الإنسانية الجميلة والمتغيرة  ؛ قد  تكون الطبيعة في التربية والتنشئة  لبعض الأسر الكريمة والعوائل المحترمة  هي العون  والمعين  على تحمل الأعباء والتحديات والعقبات  ؛ هناك جملة  من الأسر  والبيوت  الكريمة والعوائل المحترمة  تربي في أولادها  الصبر  والتصبر والمصابرة والتحمل والقبول  والرضا والتعايش مع التحديات والصعوبات والعقبات.
ثالثاً: دور  العبادة  :
إن سماع الأذان خمس مرات في اليوم  ؛ والدوام على  الصلوات الخمس  ، والمحاضرات  والدروس  من خطب الجمعة المباركة  والتوجيهات العظيمة والكبيرة  من خلال  أئمة المساجد والجوامع   لها الأثر الإيجابي الكبير  في التشكيل والتكوين  في زيادة  القوة والعزيمة النفسية .
رابعاً: دور  التعليم والتعلم  :
لا شك  أن التربية والتنشئة والتعليم والتقويم  في مراحل التعليم  المختلفة والمتباينة   قد  يكون  المعين الإيجابي  على تشكيل  وتكوين   الصلابة النفسية والمزاجية  ؛ وقد  يساعد  في  اكتشاف الطاقات والقدرات والملكات والمواهب الجميلة  المخزونة  في تلك الشخصيات للأولاد من الذكور والإناث،  ويعين  كذلك   على  التوجيهات  والتوصيات  المثلى   لها !.
خامساً : دور  الإعلام  وقنوات التواصل الاجتماعي:
في هذا  العصر التقني السريع  لا يختلف الناس كثيراً في أهمية  الأدوار والمهام والمسؤوليات المنوطة  بالإعلام  بأنواعه  المقروء  والمرئي  والمسموع ! وما  يحدثه من التغييرات والتشكيلات  في العقول والقلوب والنفوس  للشباب والشابات  على حد  سواء   !
فالإعلام  الهادف الموجه يبني الثقة بالنفس  ، ويرفع من العزيمة  ، ويقوي الإرادة الإنسانية الصادقة  ، ويزيد من الصلابة النفسية والمزاجية  لدى  هؤلاء الشباب والشابات  ! ويقدم  لهم الرموز  والنماذج  المميزة والرائعة،  ويدفعهم  دفعاً جميلاً نحو الصبر والتصبر والمصابرة والتحمل  والاجتهاد الدائم والمستمر والقبول والرضا  بعد  ذلك .
فهم  قادرون  مقتدرون  على تجاوز العقبات والصعوبات والتحديات  ، وأن  لديهم جميع الإمكانات  والقدرات والملكات والمواهب  التي تجعلهم  الأفضل والأحسن والأجود والأقدر  فهم من  المخلوق المفضل والمكرم  عند الله تعالى  أولاً  ، ثانياً : أن تلك التحديات والصعوبات والعقبات  التي  تواجههم هي لصبر  أغوارهم  واختبار  لما  لديهم  من المهارات والقدرات والملكات الحياتية  ؛ وهم قادرون حقيقة على تجاوزها
وقد  صدق  شاعر العربية الكبير أبو الطيب المتنبي رحمه الله تعالى رحمة واسعة  في قوله :
لا يُدرِكُ المَجدَ إِلّا سَيِّدٌ فَطِنٌ
           لِما يَشُقُّ عَلى الساداتِ فَعّالُ
لا وارِثٌ جَهِلَت يُمناهُ ما وَهَبَت
        وَلا كَسوبٌ بِغَيرِ السَيفِ سَئالُ
لَولا المَشَقَّةُ سادَ الناسُ كُلُّهُمُ
            الجودُ يُفقِرُ وَالإِقدامُ قَتّالُ !

مصلح ومستشار أسري 

د. سالم بن رزيق بن عوض

أديب وكاتب رأي وشاعر ومصلح ومستشار أسري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى