كُتاب الرأي

(شَخِّصْنِي)

اللواء/ محمد سعد الربيعي

من غير المألوف ومن غير المستحسن أيضاً أن نرى شبابنا يرتدون البنطلونات والشورتات القصيرة ، وكذلك الأقمصة المفتوحة من بين الأيادي والصدر ، كما أنه من غير المستحسن أن نراهم يدلفون بهذه الملابس لمساجدنا ، وقد أحسنت وزارة الشئون الإسلامية عندما منعت دخول المساجد بهذه الملابس وكذلك ثياب النوم ، وهو مايعود لتذكيرهم ( شبابنا ) بالمحافظة على الزي الوطني واستحبابه في أنفسهم .

كان والدي رحمه الله وكل ذلك الجيل القديم الذي لحقناهم لايفرطون قيد أنملة في محافظتهم على زي المملكة ، وهو الثوب والشماغ والمصنف الذي يربط على الوسط ، وكانوا يلبسون الثباب الحويسية في المناسبات وهي واسعة ولها أيادي طويلة ومتدلية على الجوانب ، وكان معها الحزام المملؤ بالرصاص ، هذا زيهم في الأعياد والمناسبات كالعيد وأفراح الزواج وماشابه ذلك .

الشكر أيضاً في هذا الجانب لإدارة تعليم مكة المكرمة و بعض جامعاتها حيث تداول في بداية العام الدراسي الجديد أخبار بمنع طلابها من الدخول مالم يلتزموا بالزي السعودي ، أي الثوب والغترة أوالشماغ ، وكذلك البنات بأن يلتزمن بلبس العبايات والتدثر بها ، وهذا شيء رائع وتُشكر عليه هذه الجهات التعليمية ، وكل جهة حكومية تلزم منسوبيها بالزي السعودي الوطني .

ما أود أن أتطرق إليه هذا اليوم هو يصب في هذا الخصوص ، وهو عندما كنت أملأ سيارتي بالوقود في حوالي الساعة التاسعة والنصف صباحاً هذا اليوم في محطة وقود بالقرب من بيتي ، وإذا بشاب لطيف في العشرينات من عمره يطرق زجاج باب سيارتي ، وكان في قمة أناقته ، وإذ به يطلب مني أن أشخصه .

في الوهلة الأولى لم أستوعب رغبته وكان يبتسم عندما أبدا رغبته ، وطلبتُ منه أن يُعيد حتى أفهمته بعدم إستيعابي لرغبته ، وكرر ذلك ( شَخِّصْنِي ) أي -أبي أصير كشخة- ، وهنا استوعبت الأمر ، وكانت المحطة مليئة بالسيارات ، وتركت سيارتي أمام مضخة الوقود وذهبت معه لسيارته وكانت من السيارات الكورية الجديدة ، وتقف بالقرب من سيارتي في جهة مخالفة لمضخات الوقود ، وعندها أخرج شماغ جديد وعقال ( بقرطاسه ) كما يقولون وطاقية جديدة ، وبدأت بإرشاده كيف يلبس أولاً الطاقية وبعدها الشماغ ، ثم قمت بنزع أوراق العقال وألبسته العقال وزينت وضعه حتى أصبح الشاب شاباً أخرا ، وذهبت معه لمرآة سيارتي ، وأخبرته كيف يضع الشماغ ، وكذلك العقال وعدم تغيير هذه الكشخة .

وبعد أن أصبح هذا الشاب كشخة وهو فعلاً كشخة ( الله يحفظه لوالديه) سألته لماذا لاتعرف تلبس هذا الزي الذي نهتم به جميعنا ، قال :
والله ي عم أنني أول مرة ألبس الشماغ والعقال في حياتي ، فسألته أين يعمل والده ، فقال أنه مدرس ، ثم سألته لماذا هذه الكشخة ، قال والله ي عم أنا لدي اليوم مقابلة شخصية في إحدى شركات الفعالية ، وأحتاج أن أكون بلباسي هذا من أجل المقابلة ، فأرشدته كيف يضع الشماغ أثناء المقابلة وأن يحافظ على تركيب العقال بشكل مناسب على رأسه وطلبت منه أن يتوكل على الله ، ودعوت له بأن يقبل في تلك المواجهة مع شركة الفعالية.

الشاهد في هذه القصة التي والله أنها حقيقية وحدثت معي صباح هذا اليوم ، والشاب من قبيلة كبيرة ومعروفة في وطننا الكبير ، وماحدث هو للأسف إمتداد لما ألفه شبابنا من لبس البنطلونات والأقمصة البعيدة عن تراثنا ولباسنا التقليدي وزينا الوطني ، والابتعاد عن ذلك أخرج لنا هذا الجيل الذي لايعرف كيف يلبس الشماغ والعقال وربما يجد صعوبة في لبس ثوبه .

قد يكون هناك تقصير من الأسر في غرس هذه المفاهيم الوطنية في أبنائهم وذلك مثل ماحدث مع هذا الشاب رغم أن والده مدرس ، وكان من الأولى به إن لم يكن هناك ظروف أسرية تلم بعائلة هذا الشاب أن يكون والده من الموجهين لأبنائهم بالمحافظة على زينا الوطني ، كما أن إعلامنا للأسف مقصر في هذا الجانب حيث لايوجد برامج تلفزيونية وإذاعية تحث على المحافظة على الزي الوطني ، ناهيك عن ماينشر في وسائل التواصل التي أيضاً قد تقف في مواجهة مع الزي الوطني ولاتحث على الإلتزام به أو إرتدائه ، كل هذه الأمور مجتمعة ومالم أتطرق إليه تضع عقبات في وجه من ينادي بالعودة لزينا الوطني الذي نأمل أن لا نراه مندثر .

كاتب رأي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى