أقلام ناشئة

شيءٌ من الفراغ

شيءٌ من الفراغ

في ساعةٍ غافيةٍ على أطراف الفجر، وعلى طريق مكة الساكن كأنّه يتهجّى الصمت، لم يكن هناك سوى بضع أضواءٍ متقطعة لسياراتٍ عابرة. وبين السكون والظلمة وجدتُ نفسي أُبحر في التفكير، قائلةً: منذ سفرِها تغيّر كل شيء؛ أصبحت الأيام أبطأ، والليل أطول مما ينبغي. لم يعد في الزوايا سوى صدى الذكريات، ولا في قلبي سوى فراغٍ يحاول أن يتعايش مع الغياب.

أصبحتُ أرتّب تفاصيل يومي وحدي، أعدّ فنجان القهوة بصمت، وأتظاهر بأن الأمور على ما يُرام، لكنها ليست كذلك أبدًا. لم أعُد أجد من أجادله في نكتةٍ سخيفة، أو من أشاركه أسرار الليل قبل النوم. سعادتي تتلاشى تدريجيًا، كأنها تسافر معها يومًا بعد يوم. ومع كل فجرٍ جديد، أهمس لنفسي بصوتٍ خافت: متى تعود؟

ذات ليلة، كنتُ أحدّث عقلي في الغرفة كعادتنا حين نتحادث قبل النوم، وفجأة أدركت أنني أجيب عن نفسي أيضًا، فضحكتُ شفقةً على عقلي الذي قرّر أن يلعب دورين في آنٍ واحد.

وفي عطلة نهاية الأسبوع، صادف أن يكون اليوم موعد عادتنا السنوية في فصل الصيف: رحلة العائلة إلى الشاطئ. لكن على النحو المتوقع، كانت رحلةً خاليةً منها… شعرتُ بشعورٍ محايد، وحدّثت نفسي قائلة: ربما لو كانت هنا لشعرتُ بسعادةٍ أكبر. لكن يبدو أنّني اعتدتُ على الأمر.

ومع الوقت بدأتُ أتعلّم أن هذا جزء من الحياة، وأن البُعد لا يعني النهاية، بل بداية طريقٍ جديدٍ لكلٍّ منّا. أصبحتُ أُقنع نفسي أن لكل شخصٍ حلمًا يستحق أن يراه، ومستقبلًا يجب أن يسعى له، حتى لو كان الثمن شيئًا من الغياب.
وربما لا يزول الاشتياق، لكنه يصبح أهدأ، أكثر نضجًا، وكأن القلب يتعلّم كيف يحب من بعيد دون أن يتألم كثيرًا.

بقلم ✍🏻 علا عبد الله

 

علا عبدالله

كاتبة رأي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى