شقق على مقاس الأرباح… لا على مقاس العائلات

د. سارة الأزوري
شقق على مقاس الأرباح… لا على مقاس العائلات
في سوق العقار الحديث، تتكرر التصاميم بلا استثناء: خمس أو ست غرف، إحداها ماستر للوالدين، وغرفتان للأولاد والبنات، وحمام واحد أو اثنان مشتركين. على الورق تبدو هذه المساحة كافية، لكن التفاصيل تكشف عن ثغرات كبيرة في حياة الأسرة اليومية.
أكثر ما يثير القلق هو دورة المياه المشتركة بين الأولاد والبنات. صحيح أن هذا الأمر قد يمرّ بلا مشكلة عندما يكون الأطفال صغارًا، لكن مع بلوغهم المراحل العمرية التي تتطلب خصوصية أكبر، يتحول الحمام المشترك إلى مصدر توتر مستمر. ينتظر الأطفال دورهم، ويعيشون إحراجًا يوميًا، ويشعرون بانتهاك الخصوصية، خاصة البنات اللاتي يحتجن إلى مراعاة لوضعهن الحساس.
المطورون العقاريون يعرفون هذه الحقيقة، لكنهم غالبًا ما يُغضّون النظر عنها لصالح زيادة عدد الغرف القابلة للبيع. النتيجة: أي عائلة تبحث عن حماية خصوصية أطفالها تجد نفسها أمام خيارين عسيرين، إما قبول الإحراج اليومي، أو دفع سعر فلكي لشقة تحتوي على غرفتين ماستر إضافيتين.
الحل يكمن في إعادة التفكير في التصميم بحيث تكون لكل من الأولاد والبنات غرفة ماستر خاصة تضم حمامًا منفصلًا، مما يمنح خصوصية كاملة لكل فرد. حتى في الشقق محدودة المساحة، يمكن إعادة توزيع الغرف وتقليص الممرات لإتاحة غرف ماستر إضافية دون التضحية براحة الأسرة.
هذا التصميم لا يضيف مجرد رفاهية، بل يعالج معضلة حياتية يومية، ويصنع فارقًا حقيقيًا في راحة العائلة وتوازنها النفسي. الأسرة ليست أرقامًا على ورق المخطط، بل بشر يحتاجون إلى مساحات تحمي خصوصيتهم. التخطيط العمراني الناجح يوازن بين الربح والمسؤولية الاجتماعية، وبين المساحة والقيمة الإنسانية. أي تصميم يركز على الربح وحده ويغفل الخصوصية يبقى ناقصًا، مهما كانت واجهته فخمة. الخصوصية لا تُقاس بسعر الشقة، بل بقدرتها على منح كل فرد مساحة آمنة داخل بيته.
كاتب رأي