كُتاب الرأي

شعوذة أخر زمن

 الدكتورة/ غادة علي القحطاني 

   في عام 2022 أعلنت الأميرة مارثا لويز الابنة الكبرى للملك هارلدالخامس ملك النرويج والبالغة من العمر اثنين وخمسين عاما تنازلها عن الورث الملكي للعرش النرويجي، والذي يحرمها من الألقاب والحصانة الملكية في مقابل زواجها من رجل أعمال أمريكي ذي الأصول الأفريقية (دوريك فيريت)، تاركة خلفها زوجها السابق وبناتها الثلاثة، والغريب في الأمر أن دوريك هو في الحقيقة مشعوذ ومعالج روحي كما يعرّف عن نفسه دائما، كما يدعي أنه يتواصل مع الملائكة، وأنه في زمن سابق كان فرعون من الفراعنة، تعرّف على الأميرة مارثاوأثر فيها حتى أصبحت تشاركه هذه الادعاءات فأصبحت تتواصل مثله مع الملائكة، وتتنبأ بالمستقبل، وتدعي أن زواجهما كان تحقيق لنبوءة جمعتهما، بل أصبحت تقدم دورات تدريبية في الطاقة. هنا تقف مذهولاً وتتساءل كيف لامرأة بلغت من العمر والنضج مبلغ كبير تقع فريسة سهلة لساحر يتعامل مع الأرواح؟! وكيف تخلت عن أمومتها وعاطفتها تجاه بناتها وعائلتها؟! كيف استطاعت ترك الحياة الفارهة والقصور الملكية وتبعت رجل لا يشبهها في شيء؟!

     وفي مشهد آخر (أميرة بنت حمد) مضيفة طيران تونسية، جميلة ومثقفة وناجحة في حياتها المهنية، وسعيدة مع زوجها وابنتها، ثم تتحول في فترة قصيرة إلى مجرمة قاتلة تقدم ابنتها الوحيدة قربانا للشياطين، حيث تزعم أنها فُتحت لها العين الثالثة فهي ترى ما لا يراه الناس، ترى الأنبياء عيسى و موسى وتحادثهم ، وقد أخبروها بأنها مريم العذراء، ويرجع هذا التحول لحضورها أحد دروس (كورسات) الطاقة، وتواصلها الدائم مع دجال إيطالي يعالج بالطاقة، وممارستها لليوغا وممارسات الريكي السحرية؛ مما جعلها تضحي بابنتها الوحيدة وأحب الناس إليها دون أن تعي تبعات ذلك، ما الذي دفعها إلى التضحية بابنتها وبزوجها وبوظيفتها وكذلك ضحت بحياتها حتى أصبحت حبيسة السجن تنتظر الإعدام؟!

    في كلا القصتين تدمرت حياة أصحابها بسبب واحد وهو الانخراط في علم الطاقة (شعوذة العصر الحديث)، هي المفتاح الذي يستخدمه السحرة لتغيير أفكار ومعتقدات الناس حتى المتعلمين والمثقفين منهم ناهيك عن البسطاء ومحدودي المعرفة، يعدون المخدوع بهم بالسعادة والثراء والشهرة، ويوهمونه بأنه أكبر وأقوى مما يعتقد وأن له طاقة لو أحسن استخدامها واتحدت مع طاقة الكون حوله فهو لا محالة سيتحكم في قدره وفي جميع ما يدور حوله، بل تجاوزوا وأوهموا المخدوع بأنه هو إله نفسه فلا يوجد في الكون أعظم منه، ضاربين بعرض الحائط معتقدات الإنسان الدينية، محاربين جميع الأديان بلا استثناء.

   ولعل ما دفعني لكتابة هذا المقال هو تعوّد الشباب في هذا العصر على مصطلحات الطاقة وتطوير الذات، وقيامهم بممارساتها دون أن يعوا خطر ذلك على دينهم وصحتهم النفسية والجسدية بل وحتى خطرها على أقرب الناس إليه، وما يدعو للقلق ودق ناقوس الخطر هو توجه الجيل الجديد للاطلاع على هذه العلوم، وتبني الكثير منهم لكثير من العبارات الرنانة التي تحمل في طياتها السم الزعاف، في بداية الأمر تجد أن شعاراتهم ومبادئهم مبنية على أساس ديني وأنهم يتماشون مع ما يدعو إليه الدين من التفاؤل والجد في طلب الرزق، ويدللون على ذلك بآيات وأحاديث نبوية، وحتى تمارينهم التأملية تدور حول التأمل في الكون والحياة مع الاستغفار والتسبيح، ثم دون أن تشعر تدخل في متاهات هذه الشعوذة وتسعى لفتح العين الثالثة كما يدعون والتي تفتح لك (طاقة جهنم).

    كثيراً ما سمعنا عن هذه الممارسات الوثنية الشركية تحت ما يسمى تطوير الذات، وتنمية القدرات الإنسانية، والتي تجعل الإنسان خارقاً لا يقهره شيء، وهو في الحقيقة يصبح عجينة سهلة تتخطفها الشياطين ، ومادة هينة يستخدمها المشعوذين لتسخير الضحية لما يريدونه، وعلم الطاقة بصورته الحقيقية هو صورة غير مباشرة للإلحاد وترك الدين والانصياع للشيطان وطاعته، لاشك أن كثير من القيم التي يدعو لها أصحاب الطاقة قد تكون في ظاهرها جذابة وواقعية بل قد تكون تحمل من الحكمة الحياتية الكثير، لكن في الحقيقة لم يأتوا بجديد فالكارما(Karma) لديهم هي (كما تدين تدان)، والطاقة الإيجابية(Positive energy) لديهم هي (كن جميلا ترى الوجود جميلا)، وقانون الجذب(Attraction) لديهم هو (تفاءلوا بالخير تجدوه)، وغيرها من الحكم والمهارات الحياتية الصحيحة والمجربة والتي لا ينكرها أحد، ولكن هذه العبارات الرنانة ما هي إلا إغواء يستخدمه السحرة الروحانيون لخداع الناس حتى يخيل لهم أنهم وجدوا مفاتيح السعادة، وكنوز الثراء، ومن ثم دون أن يشعروا يقعوا فريسة لطلاسم وممارسات فيها الكثير من الشركيات والكفر الصريح، تفتح لهم أبواب الشر وتسلط الشياطين واستعبادهم لهم، لذا وجب علينا توعية النشء بهذا الخطر والحرص عليهم من الانجراف خلف أضواءه القاتلة، وأصواته الناعقة، فالحلال بيّن والحرام بيّن، وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس.

كاتبة رأي و اكاديمية

 

الدكتورة / غادة علي القحطاني

كاتبة رأى _ ⁠دكتوراة الفلسفة في السياسات التربوية_ تكتب في المجالات التربوية والاجتماعية و التأملات الذاتية _ حاصلة على شهادة خبير في مهنة التعليم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى