كُتاب الرأي

شرطة بلا شرف ولا قانون

محمد الفريدي

 

شرطة بلا شرف ولا قانون

في عالمٍ مضطربٍ تتساقط فيه الأقنعة، تتكشّف حقائق دامغة عن أولئك الذين يزعمون أنهم حماة القانون، فإذا بنا أمام أنظمةٍ توظّف شرطتها أداةً للقمع الطائفي، لا ركنًا من أركان عدالتها.

والحدث الأخير في الهند يعيدنا إلى السؤال الأقدم:

هل كل من يرتدي زي الشرطة يمثل الحق والعدالة والطمأنينة؟

أم أن بعض الأزياء تُخفي تحتها دماً بارداً وحقداً تاريخياً ضد كل من لا يُشبههم في العقيدة؟

في ولاية راجستان الهندية، لم يكن المواطن الهندي عمران خان يتوقّع أن استيقاظه على دويّ اقتحام منزله فجراً سينتهي بجريمة مروّعة؛ فقد داهمت الشرطة منزله بذريعة “جريمة إلكترونية”، وهو عامل بسيط لا يمتلك حتى هاتفاً ذكياً.

خرج رجال الشرطة وتركوا خلفهم جثةً صغيرة، كانت قبل لحظات طفلته “أليشبا” ذات الشهر الواحد.

سُحقت هذه الطفلة الرضيعة تحت أقدام “شرطة دولة ديمقراطية”، في مشهدٍ لا يُفسَّر إلا بلغة التطهير العرقي البطيء، وبتواطؤ نظامٍ يتغذّى على خطاب الكراهية ضد المسلمين.

ولأنها طفلة مسلمة، لم تتحرك أجهزة الدولة الهندية كما يجب، ولم تُظهر الشرطة أي اهتمام، ولم تُفتح تحقيقات جادة، بل تعاملت مع القضية كخبرٍ عادي، تحت ضغط الاحتجاجات فقط.

لا، بل عيّنت محققاً أدنى رتبة من المتهمين، في مشهدٍ عبثي يشبه المحاكمات الشكلية في جمهوريات الموز.

هذه ليست سقطة، بل نهج.

نهجٌ يرى في المسلم مشروع تهمة، وفي العدالة مزحة، وفي دم الرضع ماءً لا يستحق حتى سطراً في محضر شرطة.

نهجٌ يقوم على استباحة الإنسان ما دام لا ينتمي للهندوسية.

وما هذه الرضيعة إلا واحدة من آلاف القصص التي لا تصل إلى الضوء.

حين تمارس الشرطة دور الجلاد، وتتحوّل إلى عصا طائفية في يد حزبٍ متطرف كحزب “بهاراتيا جاناتا”، فاعلم أن العدالة تُذبح كل يوم.

إنها شرطة تُشبه الاحتلال في فلسفتها، وتتشابه مع أعتى الأنظمة العنصرية في استهداف الأطفال وقمع الأقليات، لا بالصدفة، بل بالقانون والتأييد السياسي.

وما زاد الطين بلة أن هذا المناخ الطائفي القاتل لم يكتفِ بقتل المسلم في بلده، بل تجاوز ذلك إلى تشويه صورته خارجياً، والإساءة إلى الدول التي تحتضن العمالة الهندية باحترام، كالسعودية، التي استغل المتطرفون الهندوس ـ قبل فترة ليست ببعيدة ـ فيلماً خيالياً بأحداثٍ مكذوبة يسيء لها تحديداً، وللإسلام والمسلمين عموماً.

أقاموا الدنيا ولم يُقعدوها، بينما تُقتل رضيعة مسلمة بهذه الوحشية، ولا تتحرك أقلامنا، ولا ترتجف ضمائرنا.

ووالله، ما تجرأ أعداؤنا علينا بهذا الشكل إلا لضعفنا، ولضعف آلتنا الإعلامية.

الرواية، التي تحكي قصة هندي من كيرالا عمل راعياً في السعودية، صُوّرت بأسلوب سوداوي يختزل السعودية في صحراء، وجلد، وسياط، وتعذيب للعمالة، وعبودية.

واستُخدمت كذخيرة دعائية في الإعلام الهندي لتغذية خطاب الكراهية، وتقديم السعودية كمكان تُسحق فيه الكرامة الإنسانية.

والتي أعتبرها ليست مجرد رواية وفيلم، بل رصاصة ثقافية موجّهة ضدنا، أُطلقت من آلة إعلامية وأقلام ملوّثة بالحقد، وسكتت عنها أفواهنا وأقلامنا المرتجفة.

لكن المفارقة أن ذات الهند التي بكت على راعي غنم من خيالها، لم تذرف دمعة واحدة على رُضّع مسلمين هنود تُسحق جماجمهم في راجستان، ومساجد تُهدم في أوتار براديش، ونساء يُغتصبن في غوجارات، وشيوخ يُذبحون في الشوارع على يد متطرفين يباركهم السياسيون الهندوس؛ في نفاقٍ ممنهج، وعنصرية طائفية تُنفق عليها الميزانيات، وتُجيّش لها المنصات، بينما نحن لم نحشد حتى قلوبنا للتعاطف مع الضحايا الضعفاء، الذين لم يكن ذنبهم إلا أنهم مسلمون حاولوا النجاة من هذا الجحيم الطائفي في بلدهم، الهند التي تدّعي الديمقراطية.

ولأن الأشياء تُعرف بأضدادها، فإن النموذج الأمني السعودي، الذي يسعى الهندوس الهنود لتشويهه، لا تُشكّل شرطته أداة ترهيب ولا ذراعاً طائفية، بل هو نموذج لمؤسسة أمنية وطنية تعمل على خدمة المجتمع، وحماية جميع أفراده دون تفريق أو تمييز.

بل إن مؤسسات الأمن الداخلي، بمختلف فروعها، تخضع لتدريبات صارمة على احترام الأنظمة، وعدم استخدام القوة إلا في أضيق الحدود، ووفق ما تقتضيه الضرورة، مع الالتزام التام باحترام حقوق الطفولة.

أما الشرطة في السعودية، فإنها تتعامل مع المواطن والمقيم وفق معايير القانون، لا بناءً على الدين أو الطائفة أو العِرق، وهو ما يجعل النموذج الأمني السعودي نقيضاً لأنظمة القمع الطائفية الهندية، التي تستبدّ بالناس باسم الهوية، وتزرع الخوف بدلاً من أن توفّر لهم الأمن.

ولو أن حادثاً مشابهاً لمقتل الرضيعة الهندية أليشبا وقع هنا، لقامت الدنيا ولم تقعد، ولَفُتحت التحقيقات من أعلى المستويات.

بل إن الجهات الأمنية لدينا تتعامل بحزم مع أي إساءة في استخدام السلطة، وتباشر إجراءات قانونية شفافة لا تحابي أحداً، مما يؤكد حرص الدولة على تحقيق العدالة، وحماية كرامة الإنسان مهما كانت هويته.

هذا ليس تمجيداً، بل مقارنة واقعية تُبرز الفرق الجوهري بين النظامين في احترام حقوق الإنسان وتطبيق القانون دون تحيّز أو تمييز.

فكيف يزايد الهندوس على إنسانيتنا، والتزامنا بالأنظمة التي تحفظ كرامة الإنسان على أراضينا، بينما يتعاملون هم مع المواطنين المختلفين عنهم في الدين، وفق نهج حكومتهم المتطرفة التي لا تراهم إلا مجرد حشرات؟

ما حدث في الهند ليس حادثة عابرة أو عادية، بل انعكاس فاضح لديمقراطية كاذبة تتجمّل بالشعارات، وتُخفي في باطنها نظاماً عنصرياً مقيتاً، يُقصي الآخر، ويبرّر القتل باسم الهوية.

فشتّان بين شرطة تزرع الأمن، وأخرى تزرع الرعب والقبور؛ وشتّان بين من يرى المواطن قيمة يجب حمايتها، ومن يراه عبئاً يجب دفنه تحت الركام أو غمسه في ظلام القمع.

فتلك ليست شرطة، بل عصابة بلباسٍ رسمي، تحرس الطائفية والكراهية، وتعتاش على دماء الضعفاء والأبرياء.

إن ما جرى للرضيعة “أليشبا” لم يكن نتيجة خطأ فردي من شرطي متعجرف، بل هو حصيلة تراكمات مناخ طائفي سام، يتغذّى عليه الوعي الهندي المعاصر، الذي تصنعه ماكينة حزب “بهاراتيا جاناتا”، الحزب القومي الهندوسي المتطرف، الذي استثمر لسنوات طويلة في تحويل المسلمين من مكوّن أساسي في الأمة الهندية إلى “عدو داخلي” مباح الدم، مستباح الكرامة.

نحن أمام نظام متطرف يُعبّئ الشارع ضد مسلميه، ويوظّف الشرطة في صراع طائفي متصاعد.

فاليوم، المسلم الهندي لا يختلف كثيراً عن المُلاحَق في زمن النازية، أو في ظلّ الصهيونية الحالية، والفرق الوحيد بينهم أن القاتل هنا لا يرتدي صليباً معقوفاً أو نجمة داود، بل يلوّح بعلم “الديمقراطية”، وهو يغرق في وحل الفاشية.

في الهند، يُحرَق المسلم في بيته كما حدث في غوجارات، ويُمنَع من ذبح الأضاحي، وتُراقبه الشرطة حتى في طعامه، وصلاته، وزفافه، ولا يُسمَح له بالردّ حين يُهان.

طفلته تُسحق بأقدام الجنود، ولا تُفتح لها قضية.

بيته يُداهم بلا أمر قضائي.

مساجده تُهدم بحماية الدولة.

والشرطة؟ الشرطة شريك في الجريمة، لا حارسة للحق، ولا تكفل له العدالة.

والسؤال هنا: من يُدرّب هؤلاء؟ من يُغضّ الطرف عن هذه المجازر الصغيرة اليومية؟ من يُبرّرها؟

الجواب باختصار: هناك تواؤم مريب بين العقلية الفاشية الهندوسية، والنزعة الاستعلائية الهندوكية، التي ترى في المسلم مشروع خطر دائم، لا يجب استيعابه في أي مجتمع، بل سحقه والقضاء عليه أولى.

ومع كل هذه البشاعة، هناك من يُصرّ من الكُتّاب الهندوس على مهاجمة مؤسساتنا الأمنية في السعودية، متناسين أن في المملكة لا يُداهم بيتٌ إلا بأمر قضائي، ولا يُنتهك حق طفل أبداً مهما كانت طائفته، ولديها مراكز استجابة لحالات الطوارئ، ولجان مستقلة لمحاسبة كل من يتجاوز على طفل أو امرأة أو ضعيف.

وهذا الالتزام بحقوق الإنسان وأمن المجتمع يكشف زيف الاتهامات الهندوسية المغرضة، التي تُسوّقها للنيل من سمعة المملكة.

نحن لا نقدّس الأشخاص، ولكننا نعرف الفرق بين نظام طائفي يحوّل شرطته إلى أدوات لسحق مواطنيه، وبين نظام سعودي يسعى لحماية الأمن واحترام الإنسان، ويؤمن بأن قوة الدولة تكمن في عدالة قوانينها وكرامة شعبها، لا في القمع والتفرقة.

وإن بقي العالم صامتاً أمام هذه الجرائم الطائفية التي تُرتكب بحق المسلمين في الهند، فالرضّع القادمون ليسوا بأمان، ولا المستقبل آمن.

وعلى الضمير العربي والإنساني أن يصحو قبل فوات الأوان، فلا مكان للسكوت أو التساهل مع الظلم، لأن معركة الكرامة هي معركة الجميع.

كاتب رأي

محمد الفريدي

رئيس التحرير

‫2 تعليقات

  1. شكرا ابا سلطان علي ماتطرحه من ابداع بمختلف المجالات
    ولفت الانظار وايقاض الضمير حيال بعض الممارسات الشريره
    ومنها مايمارسه الهندوس من اظطهاد لعموم المسلمين بالهند وخارجه ليس الشرطه فقط بل كل موسسات الدوله والمجتمع يمارس هذا الاظطهاد حتي مع الاطفال في المدارس والشباب بالجامعات

  2. كاتبنا الغالي ابا سلطان … مبدع كعادتك
    و مثل هذا الطرح و وضع النقاط على الحروف في مسألة في غاية الاهمية وتسمية الاشياء بمسمياتها الواقعية التي تشاهد وتسمع عن الكراهية والحقد من قبل بعض الهندوس المتطرفين في الهند تجاه المسلمين الذين يقدر عددهم باكثر من 200 مليون مسلم
    هنا في المملكة العربية السعودية واحة الامن يعيش اكثر من 2،5 هندي بكرامة وامن ومساواة وحقوق محفوظة بالنظام
    لو لم تكن بلدنا كذلك لما تسابق الهنود وغيرهم للحصول على فرصة عمل في المملكة
    وبلا ادني شك ان من ما يحدث من تشويه لصورة المملكة و شعبها في بعض وسائل الاعلام الهندية وغيرها هو عمل ممنهج تقف ورائها دول ومؤسسات
    و حكومتنا الرشيدة حفظها الله تعلم ذلك جيداً وتتعامل مع هذا الاحداث باحترافية وتعلم من يقف وراء تلك الإساءات
    شكرا ابا سلطان وبارك الله و فيك وفي كل المخلصين الغيورين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى