كُتاب الرأي

(سوريا وتنظيم الإخوان)

(سوريا وتنظيم الإخوان)

محمد سعد الربيعي

انعتقت سوريا الجديدة من حكم الأسد الغابر للأب والابن الذي تجاوز نصف قرن، والتي كانت بمثابة دولة فاشية يحكمها الأسد، ويتسلط على رقاب كل السوريين بواسطة أجهزته الاستخبارية التي كانت توظف الابن على أبيه والعكس، حتى أصبح الناس في حكم مكمومي الأفواه، وترى الجميع فيها يخشى من الجميع في سياسة تسلطية لا يمكن لأي شخص الانفكاك منها طالما تحدث عن أي قضية قد تهم المواطن السوري وليس لها علاقة بسياسة الأسد أو إدارته للدولة.

توجد حالياً إرهاصات كبيرة وعديدة تواجهها الحكومة الجديدة من أجل استكمال استحقاقات هذه الدولة الفتية التي فرح بها الجميع من الدول العربية المعتدلة، التي رأت في هذه الدولة عودة سوريا للحضن العربي، الذي كادت فيه سوريا أن تنفلت وتدمرها إيران كما دمرت العراق ولبنان بأذيالها المختلفة، وقلبت عاصمتي هاتين الدولتين لمآتم ورايات سوداء بدلاً من التوجه للتنمية وتطوير قدراتهما لما يخدم شعبيهما.

تحدثت في مقالات عديدة عن سوريا وحكومتها الجديدة، وحالة الفرح والسرور لما وصلت له ثورتها من تحرير هذا البلد الذي كاد أن يتحول لعراق آخر، خاصة والفرس يرون في دمشق أنها عدوتهم اللدودة التي اتخذتها الدولة الأموية عاصمة لخلافتهم، والانطلاق منها كما انطلقت الخلافة الإسلامية من مكة المكرمة والمدينة المنورة ليشع نور الإسلام لأقاصي الكرة الأرضية في عز نشر إسلامنا العظيم.

أقول: تحدثت وتطرقت في تلك المقالات التي نشرتها صحيفة “آخر أخبار الأرض” لخطورة تنظيم الإخوان المسلمين وخشية تسلقه للثورة السورية الجديدة في مقالات عديدة كما أشرت، وتمنيت ونحن فرحون بالنتائج التي أوجدتها ثورة تحرير سوريا أن تعود القيادة السورية الجديدة وتحاول النأي بنفسها عن هذا التنظيم الخطير الذي تقوده قطر وتركيا في المنطقة، حيث تعد هاتان الدولتان ذوات مآرب خطيرة ليس في سوريا فحسب، ولكن في المنطقة بشكل عام، في تخادم بينها وبين عناصر هذا التنظيم الذي يمارس التقية في أعماله من أجل تحقيق أهدافه التي يسعى من خلالها التنظيم لتدمير العالم العربي، وكذلك الإسلامي، في تخادم بينه وبين التنظيمات العالمية من ماسونية وصهيونية وفارسية رافضية. وعرجت في تلك المقالات لعودة بعض عناصر التنظيم أو من يدعون المشيخة فيه، وكيف تربعوا على منابر مساجد دمشق، وأخذوا يكيلون المديح للثورة في تلبس غريب، ونسوا أنهم بالأمس كانوا يتوددون لنظام الأسد، ويقبلون أياديه، بل كانوا يمارسون التشبيح والدس في ذمة كل مواطن سوري لدى ذلك النظام، حتى امتلأت سجونه بالأبرياء الذين وشت بهم عناصر الإخوان في سوريا كلها.

من المعروف أن الكثير من عناصر الثورة السورية الجديدة ينتمون لهذا التنظيم، والبعض الآخر قد يتعاطف معه، وقد رأينا كيف تم السماح ـ كما أشرت ـ لتسلق بعض العناصر الإخوانية ذات التاريخ الأسود والسيء لمنابر مساجد سوريا، والبعض منهم وجه سهامه للدول العربية المعتدلة في محاولة لتعكير الأجواء، وإعادة الفوضى للثورة السورية، وهو ما تسعى لتنفيذه عناصر هذا التنظيم الموجودة في سوريا وخارجها لتسهيل التدخلات الخارجية في العودة لسوريا وإثارة الفوضى، ولعل أولها إيران التي رأت أنها فقدت حليفاً مهماً لها في دول الممانعة التي كانت تُدار من دمشق.

ما أود أن أتطرق إليه ـ رغم ما ظهر على الساحة في سوريا ـ في السويداء قضية الدروز (حكمت الهجري)، وكذلك في منبج مع الأكراد وتنظيم قسد، اللتين لا زالتا تؤرقان القيادة السورية الجديدة، وهو أيضاً ما تطرقت له في بعض المقالات السابقة، وما يجب أن تركز عليه القيادة الجديدة في سوريا، وأن تتنبه لما يحاك ضدها من فلول الأسد، وما قد تستغله تلك الفلول في إثارة هاتين القضيتين أو خلافهما، وكذلك ما قد تذهب إليه إيران والمليشيات العراقية من تهديدات قد تؤثر على الوضع الأمني والسياسي لثورة سوريا.

وحقيقة أن ما حذرنا منه وقع في منبج والسويداء، ولا يُستبعد أن تعمل إيران على إثارة جبهتها، خاصة وأن حزبها في لبنان يواجه معضلة تسليم سلاحه وحصر القوة في يد الدولة اللبنانية، وهو ما قد يدفع إيران للتدخل في سوريا من أجل دعم حزب اللات في لبنان، وهي ذات علاقة وطيدة ـ أي إيران ـ بتنظيم الإخوان، حيث يمثل التنظيم ذيلاً كبيراً لإيران. ولعل القيادة السورية الجديدة تأخذ بذلك في عين الاعتبار، وبهذه المخاطر التي ربما تـُحيق بها، أو أنها قد تأتي لديها في مراحل ثانوية أو متأخرة، حيث نرى أن اهتمام هذه القيادة هو تأصيلها (أي علاقتهم بالتنظيم) من خلال تعيين قيادات تنظيم الإخوان في مواقع وظيفية متقدمة في سوريا الجديدة، رغم كل المخاطر التي سوف يؤدي بها ذلك التقرب لهذا التنظيم الخطير.

إن تعيين الدكتور أحمد موفق زيدان كمستشار للشرع، وهو صاحب الخلفية الإخوانية الخطيرة، وهو من سبق له العمل أيضاً كمراسلاً لقناة الجزيرة في باكستان وأفغانستان عندما كانت ساحتي فوضى! إضافة لعمله بعد ذلك كمستشار للقناة في قطر، التي تعد إحدى وسائل التشويش والتهويل والتشويه لكل ترابط وتكاتف عربي، بل تعد هذه القناة وسيلة كبيرة للعمالة الأجنبية في المنطقة والشرق الأوسط بشكل عام، والحديث عنها يحتاج لمقالات مستقلة، وعن عمالتها وخبثها وخبث كل من يعمل فيها!

إنه من المستغرب أن تذهب القيادة الجديدة في سوريا للتقرب من هذا التنظيم وعناصره المعروفة بمداهنتها لنظام الأسد، بل تأييده في قتل السوريين وتدمير سوريا من خلال حكمه الذي امتد لما يزيد عن نصف قرن، وأنه أيضاً من المستغرب هرولة هذه الثورة للتنظيم رغم معرفتها بمخاطر الاقتراب منه، وما يمكن أن يؤدي بهم ذلك التقارب، وربما تحفظ الدول المعتدلة لمثل هذه الهرولة لثورة سوريا، خاصة وهذه الدول ترى في التنظيم تنظيماً إرهابياً، وهي مقارنةً حقيقةً لا يمكن التقريب بينها وبين تعيينات سوريا الجديدة لعناصر إخوانية في تراتيب متقدمة في دولة سوريا الجديدة!

إن ما تذهب له هذه القيادة قد يتسم بنوعٍ من العجلة أو عدم الإدراك لخطورة ما يقدمون عليه من تعيينات، كان منها أيضاً تعيين من كان مستشاراً لعزمي بشارة أو كان مديراً لمكتبه في منصب مهم في الدولة الجديدة، وعزمي هذا معروف ونشاطه خطير، وهو يذهب لما تذهب له قناة الجزيرة، بل ربما هو من يديرها ويدير نشاطها التدميري ضد العرب.

وكختام للمقال: يجب على ثورة سوريا انتقاء من تراه يخدم توجه هذه الدولة واستقلالها واستقلال سياستها، والابتعاد بالدولة عن التجاذبات التنظيمية الخطيرة، حيث من المعروف أن هذا التنظيم لم ينجح ولن ينجح في قيادة دولة أو تأسيس نظام دولة، خاصة وأن للتنظيم هيكلية عنكبوتية متشعبة من القاهرة لإسطنبول لدمشق لصنعاء وبقية الدول التي غُرست جذوره بها، ويمثل في تلك الدول الدولة العميقة. فلتحذر دمشق وثورتها الجديدة من عناصر هذا التنظيم وتجذره ليصبح هو دولتها العميقة، ومن ثم تغرق في دهاليز سياسته ومستنقعاتها الملوثة والأسنة!

وتأسيساً على ذلك فلتنظر قيادة سوريا الجديدة إلى أين ذهبت غزة بقيادة حماس الإخوانية، وماذا قدم أردوغان الذي يتبنى التنظيم سياسياً بينما عملياً تختلف سياسته كالـبُعد ما بين المشرق والمغرب، ولتنظر لثورة ليبيا، ولتنظر لليمن، ولتعلم قيادة سوريا أن أول من هنأ الخميني بتوليه سلطة طهران هم قادة تنظيم الإخوان، وهم من أطلقوا عليه أو منحوه لقب المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، وهذا اللقب لا يوجد في الفارسية إطلاقاً.

على قيادة سوريا الجديدة النأي بنفسها عن التنظيم، ومن ينتمي له ينسلخ منه، وذلك لتنتصر ثورتهم، فالتنظيم لن يبني دولتهم، فلتفهم قيادة سوريا الجديدة!.

كاتب رأي

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى