كُتاب الرأي

سمات ومظاهر التحولات التاريخية في حجة الوداع

 

سمات ومظاهر التحولات التاريخية في حجة الوداع

حجة الوداع؛ بها اكتملت المناسك، وتم دين الله الذي أنزله على عبده ورسوله نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ويقال لها: حجة البلاغ، وحجة الإسلام، وحجة الوداع؛ لأنه عليه الصلاة والسلام ودع الناس فيها، ولم يحج بعدها. وسميت: حجة البلاغ؛لأنه عليه الصلاة والسلام بلغ الناس شرع الله في الحج قولا وفعلا، ولم يكن بقي من دعائم الإسلام وقواعده شيء إلا وقد بينه عليه الصلاة والسلام، فلما بين لهم شريعة الحج ووضحه وشرحه أنزل الله عز وجل عليه وهو واقف بعرفة:﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْوَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا .

فعن جعفر بن محمد ( الصادق) عن أبيه (محمد الباقر)، قال: دخلنا على (الصحابي الجليل): جابر بن عبد الله رضي الله عنه، فقلت: أخبرني عن حجة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال بيده فعقد تسعاً، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكث تسع سنين، لم يحج، ثم أذَّن في الناس في العاشرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حاج، فقدم المدينة بشر كثير، كلهم يلتمس أن يأتمَّ برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويعمل مثل عمله…إلى بقية الحديث .[صحيح مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، حديث رقم (1218)].

فلما دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذوالقعدة من سنة عشر تجهز للحج، وأمر الناسبالجهاز له.

وعن ابن عمر كان لا يقدم مكة إلا بات بذي طوى حتىيصبح ويغتسل ثم يدخل مكة نهاراً، ودخل مكة منالثنية العليا التي في البطحاء، وخرج من الثنيةالسفلى. وقال: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلمإذا دخل مكة فرأى البيت رفع يديه وكبر وقال: ((اللهمأنت السلام ومنك السلام فحينا ربنا بالسلام، اللهمزد هذا البيت تشريفاً وتعظيماً وتكريماً ومهابة وبراً،وزد من حجه أو اعتمره تكريماً وتشريفاً وتعظيماًوبرا)). ودخل النبي صلى الله عليه وآله وسلم من باببني شيبة، وخرج من باب بني مخزوم إلى الصفا، أول شيء بدأ به حين قدم النبي صلى الله عليه آلهوسلم أنه توضأ ثم طاف، ثم لم تكن عمرة، وطافالنبي صلى الله عليه آله وسلم بالبيت على بعير، فلماأتى الركن أشار إليه بشيء كان عنده وكبر، ويستلمالحجر ثم يمضى على يمينه، فرمل ثلاثا ومشىأربعا ثم يأتي المقام، وقال:﴿ وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِإِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ۖ؛ فصلى ركعتين والمقام بينه وبينالبيت، ثم أتى الحجر بعد الركعتين فاستلمه ثم خرجإلى الصفا..

أولاً: سمات ومظاهر التحول الديني:
التمسك بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم؛ حيث يقول صلى الله عليه وآله وسلم: ((وقدتركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به: كتابالله)) ، وفي رواية: ((وقد تركت فيكم ما إن اعتصمتمبه فلن تضلوا أبداً، أمراً بيِّناً: كتاب الله، وسنة نبيه)) ، وهذا الاعتصام بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، والتمسك بهما وفق فهم السلف الصالحفهو سبيل العزة والنصر والفوز في الدنيا والآخرة.
ثانياً: سمات ومظاهر التحول السياسي:
التأكيد على الحفاظ على الكليَّات الخمس التي جاء الإسلام بحمايتها وصيانتها: حيث أكد صلى الله عليه وآله وسلم على ثلاث كليات: حفظ النفس، والمال،والعرض، فقد حرَّم التعدي على النفوس المعصومة،والأموال المحترمة، والأعراض المصونة بقوله صلى الله عليه وآله وسلم:((إن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم حرام عليكم؛ كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا)) (صحيح البخاري: كتاب الحج، باب الخطبة أيام منى، حديث رقم (1739)فكل المسلم على المسلمحرام دمه، وماله، وعرضه.
القضاء على الموروثات والعادات الجاهلية التي تتعارض مع مبادئ الإسلام، وقيمه النبيلة، وأخلاقه السمحة حيث يقول صلى الله عليه آله وسلم: ((ألا كلشيء من أمر الجاهلية تحت قدميَّ موضوع، ودماءالجاهلية موضوعة، وإن أول دم أضع من دمائنا دمابن ربيعة بن الحارث)) [صحيح مسلم، كتاب الحج].
ثالثاً: سمات ومظاهر التحول الاجتماعي:
التأكيد على مبدأ الأخوة والوحدة الإسلامية: والتيكانت من أساسيات دعوته وأولياته حيث يقول صلى الله عليه وآله وسلم 🙁 (أيها الناس اسمعوا قولي واعقلوه، تعلمنَّ أن كل مسلم أخ للمسلم، وأن المسلمين إخوة، فلا يحل لامرئ من أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس منه، فلا تظلمن أنفسكم)).
التأكيد على مبدأ المساواة بين الناس في أصل الخليقة حيث يقول النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم: ((ألا لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر؛ إلا بالتقوى، أبلغت؟)).
الوصية بالنساء، والتأكيد على ما للرجل من حق على المرأة وما لها عليه من حق حيث يقول صلى الله عليه وآله وسلم  :((فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن، وكسوتهن بالمعروف)) ، وهو تحول تاريخي اجتماعي في حياة الأمة وحياة نسائها؛ فأعطى للمرأة حقوقها، ووصى بها، وأكد على ذلك؛ فأعطاها حقَّها في الميراث وكانت من قبل لا تأخذ شيئاً، وجعل لها كرامة، وجعل لها رأياً ولم يكن لها من قبل رأي بل ولا اعتبار، ثم صانها الإسلام في بيتها.
وأوصى بأهل البيت: عن زيد بن أرقم، قال قام رسولالله صلى الله عليه آله وسلم يوماً فينا خطيباً بماءيدعى خُمّاً بين مكة والمدينة فحمد الله وأثنى عليهووعظ وذكر ثم قال: ((أما بعد، ألا أيها الناس فإنماأنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تاركفيكم ثقلين، أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوابكتاب الله واستمسكوا به فحث على كتاب الله ورغبفيه ثم قال وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي،أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهلبيتي)). فقال له حصين: ومن أهل بيته يا زيد أليسنساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته، ولكنأهل بيته من حرم الصدقة بعده، قال: ومن هم قال همآل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس، قال: كل هؤلاءحرم الصدقة، قال: نعم [صحيح مسلم: كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه، حديث رقم (2408)].
رابعاً: سمات ومظاهر التحول الاقتصادي:
حرمة التعامل بالربا: حيث يقول صلى الله عليه وآله وسلم  : ((وربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضعربانا ربا عباس بن عبد المطلب، فإنه موضوع كله)) ، فقد قال الله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ۗ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ۚفَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ ۖ وَمَنْ عَادَ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ .
بيان حق الميراث والنسب، والتحذير من التبني: وفيهذه المسألة يقول صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن الله قسم لكل وارث نصيبه من الميراث، فلا يجوز لوارث وصية، الولد للفراش، وللعاهر الحجر، ومن ادعى إلى غير أبيه أو تولى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل)) [سنن ابن ماجه، كتاب الوصايا، باب لا وصية لوارث، حديث رقم (2712)].

فبعدما بيَّن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم   ما بيَّن في خطبته، قال للصحابة: ((وأنتم تُسألون عني، فما أنتم قائلون؟!)) قالوا: “نشهد أنك قد بلَّغتَ رسالات ربك، وأدَّيت، ونصَحت لأمَّتك، وقضيتَ الذي عليك، فقال بإصبعه السبابة، يَرفعها إلى السماء ويَنكتها إلى الناس: ((اللهم اشهَد، اللهم اشهَد)) وأن يبلغ الحاضر الغائب، أو الشاهد الغائب، قال عليه الصلاة والسلام: ((فرب مبلغ أوعى من سامع)).

لمزيد من التفاصيل، انظر: التحولات التاريخية للمدينتين المقدستين (مكة والقدس).

كتبه: الدكتور محمد بن حسين الحارثي الشريف

مكة المكرمة

 

 

الدكتور محمد حسين الحارثي الشريف

أديب ومؤرخ وكاتب سعودى

تعليق واحد

  1. مقالة رائعة وجديرة بالحوار المتعمق واتت فى اوانها وزمانها ولكن وللاسف الشديد ملاى باخطاء طباعية شنيعة كادت تفسد رونقها فهل لها من تلاف ؟!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى