سلاحٌ ذو حدّين

سلطان عيد المرشدي
سلاحٌ ذو حدّين
ندرك تمامًا أنَّ كُلَّ أشيائنا التي حولنا والتي ننعم بها في حياتنا ؛ قد تكون سلاحًا ذو حدَّين ،أوَّلُه ينتشل الأرواح لما تَسْتَّنيِرُ منهُ في الظلمات، وآخره بإمكانه أن يجعل النُور يتلاشى ، فقد تُستخدم بما يعود علينا بالنفع والفائدة ، وقد تَجلب الضرر عند سوء استخدامها ، إذاً فالإنسان هو من يتحكَّم بها ويوجهها كيفما شاء ، فهذا العنب الذي أباحه الله -سبحانه وتعالى -وذكره في القرآن الكريم، وهو من طعام أهل الجنة ومع ذلك يمكن للمفسدين في الأرض استخدامه وتصنيعه ليكون نبيذاً وخمراً ليهلك بها أناسًا آخرين ، وعلى ذلك فقِس بقية الأشياء من حولنا ، نحن من يسئ استخدامها.
كذلك هو الحال فيما يخصُّ الخوض في عالم التقنية ، والتي أصبحت عاملآ مؤثرآ في كيان الأسُر ، فإن أحسنَّت الأسرة استخدامها ستعود على أفرادها بالنفع والفائدة في شؤون حياتهم، أذكر موقفًا لازال عالقًّا في ذاكرتي ؛ أيقنت فيه أن التقنية من النعم الكثيرة التي منحنا الله إياها ،والواجب استخدامها
فيما يرضيه وينفعُنا ، وردني اتصالٌ عصر ذات يومٍ من رقم لم أعهده ، فإذا به يلقي التحية
يسألني : أأنت سلطان؟
قلت : نعم !
قال: فلتُحادِثَ هذا الطفل .
فإذا به ابن أخي يتصل من الهاتف الجوال لأحد رجال الأمن الذين يعملون في الحرم النبوي.
يقول: يا عم لقد اضعت أهلي ولا أعلم أين هم؟
فطلبت محادثة رجل الأمن وسالته عن موقعه ، فقال أمام البوابة رقم كذا وكذا ، فاتصلت بأخي واخبرته فطار فرحاً لأنه كاد ييأس من إيجاده بعد رحلة بحث طويلة ، ولكن الابن احتفظ برقمي معه مع أنه لايملك هاتفًا محمولاً حينها، بعدها أدركت أن الهاتف المحمول من النعم التي منحنا الله إياها إن أحسنَّا استخدامه.
وأن وسائل التقنية ماهي إلا منحةٌ إلهية للعقل البشري الذي توصَّل إليها، فمن خلالها يستطيع أفراد الأسرة التواصل مع الأخرين في بقاع الأرض البعيدة .
ومن خلالها تستطيع إنهاء الكثير من التعاملات المالية والتجارية ، ولم تعد الأسر تحتاج لزيارة الكثير من المؤسسات الحكومية والأهلية ، فبمجرد الضّغط على زر التأكيد بإمكانك إنهاء كافة المعاملات، وزوّدت تلك التقنية الأبناء بكافة العلوم والمعارف ، فأصبحت الأجهزه الصغيرة مكتبة تحمل آلافًا من الكتب والمجلدات ، فقد رفعت الوسائل التقنية مستوى الثقافة ، ووفرت لهم من الجهد والوقت والمال ، ووفرت التقنية فرص عمل للشباب والفتيات، وأصبحت توفّر لهم مدخولاً مادياً عالياً، وأصبح التعليم والتعلم أمراً ميسَّراً لكل أفراد الأسرة، من خلال الدراسة عن بعد عبر المواقع الالكترونية لمن أراد إكمال دراسته وتطوير مهاراته وقدراته بأعلى المستويات .
تطرَّقنا للجانب الذي أضفى على حياتِنا جانبًا يحوي النور ، كما هو الحال فإن لكل شيءٍ جانبًا مضَّيا وأخر مظلم ، فإن للتقنية جانبٌ مظلمٌ أيضًا ، فقد تؤثر التقنية على أفراد الأسرة ونسيجها الإجتماعي، بسبب تأثرهم بثقافات الأخرين التي يكتسبونها من خلال وسائل التقنية ، كما أنها تسبب في تفكك أفراد الأسرة عن بعضهم البعض ، فنجدهم تحت سقف بيت واحد إلا أنهم يعيشون في عزلة أمام هذه الاجهزة، كما أن الإدمان عليها قد يؤثر سلبًا على صحتهم الجسمية والذهنية.
وتؤثر هذه الأجهزة تأثيراً كبيراً على تحصيل الأبناء العلمي عند الإنشغال بها كثيراً ، ومن أشد مساوئ التقنية سهولة الوصول للمواقع المحرَّمةً المشبوهة ، التي قد تكون سببًا كبيراً في تغير أفكار الأبناء تجاه أسرهم وبلادهم ، وكذلك دينهم ،فهي فعلاً سلاحٌ ذو حدين ينبغي استخدامه واستعماله فيما يرضي الله ، ومايعود بالنفع على الجميع ، لذلك نرجوا من الأباء ألا يجعلوها بإهمالهم سلاحًا حاداً يفكك أسرهم ويبني فجوة بين أفرادها، فيصبحوا معًا ولكن لكلٍ عالمه لايعلم عن أفراد عائلته شيئًا، ويصبح كالغريب الذي يقطن معهم فقط.
كاتب رأي