رحمة بدلال القهوة

رحمة بدلال القهوة
علي محمد الماجد
لو كنتُ على متن سفينة التايتنك، حين اقترب مني المنظِّم وهو يصرخ:
“النساء والأطفال أوّلًا!”
أما أنا؟ فمصيري – على ما يبدو – إلى معدة الأوركا.
أوركا… لا قرش أبيض.
على الأقل ستكون نهايتي في بطن مخلوق أنيق، لا في جوف سمكة مفترسة تذكّرني ببلطجي الحارة الذي يهدد المشاة عند ناصية الشارع. الأوركا، على النقيض، تحمل في طلتها لمسة من رقيّ المافيا.
ولو أن الموقف كان في حافلة مكتظة، لارتفع النداء ذاته:
“المقاعد للنساء والأطفال أوّلًا!”
وابْقَ أنت واقفًا، متكئًا على قدميك، ورأسك يغلي بالصداع وسط رؤوس أخرى متعبة.
وفي المصعد أيضًا… “النساء والأطفال أوّلًا”.
قد أكون حينها منهكًا، عاجزًا عن الوقوف، والسكر يرهق دماغي حدّ الإغماء، لكن لا بأس… فالأولوية مقدسة.
والمفارقة أن العلم ذاته يخبرنا أن النساء يتحملن أعتى أنواع الألم — الولادة — وأنهن يمتلكن طاقة لا تنضب، خاصة عند التسوّق، فتراهن كالفرس الرهوان لا يهدأن، بينما يسقط الرجل صريعًا مع أول “طلقة ولادة”، أو يغشى عليه بعد أول محل أو أول فاتورة.
أما الأطفال… فحدّث ولا حرج.
بالنسبة لهم، ركوب المصعد أو القارب أو الحافلة ليس إلا جلسة لعب جديدة.
ومع ذلك، نحن الرجال نقدّم التنازلات بابتسامة، فخورين بتضحياتنا، حتى لصالح نساء قد يشهرن ألسنتهن كسيوف إذا غضبن، ويمضين في عناد لا يلين.
لكنني، وسط كل هذا، أوقن أن شعارات “المساواة” تطلّ برأسها فقط في مقاعد الراحة، لا في ساحات المعارك.
قل لي: هل رأيت امرأة تطالب بالمساواة على جبهة القتال؟ أو عند صبّ الحديد المصهور؟ أو في المناجم المظلمة؟ أو وهي تصيد حيوانًا مفترسًا؟ أو وهي تركّب كابلات كهرباء قادرة على تحويلك إلى رماد في ثانية؟ أو تخوض عباب البحر الهائج الذي قد يخلط أحشاءك ترتيبًا جديدًا؟
هذه ميادين الرجال، ونحن نفخر بها ولا نأنف منها.
لكن النساء ما زلن يرددن تلك العبارة العتيقة:
“رفقًا بالقوارير”.
وأنا أقول: رحمة بدلّال القهوة.
كاتب في الأدب الساخر

جميل جدا أسلوبك في الكتابة و الوصف و أجده متألقاً و يشبهك كالعادة.
شكرا لأنك الكاتب علي الماجد
القرأة فن مشاركة عقول الأخرين.
شكرآ لأنك إستاذ جميل و مفيد جدا.