كُتاب الرأي

” رحلتي مع التأليف والكتابة بين عهدين “

بقلم / ابتسام عبدالعزيز الجبرين

…………………

استجابةً لطلب أعضاء صحيفة “آخر أخبار الأرض”، الذين أعربوا عن رغبتهم في قراءة قصتي الملهمة مع التأليف والكتابة ،
أشارككم تجربتي التي بدأت في سن مبكرة ، قبل أن تتطور طريقة الكتابة في الصحف وفي المؤلفات .

عزيزي القارىء :
لا شك أن القراءة تشكل الأساس الذي تقوم عليه الكتابة ، إذ أن جميع الأدباء والمؤلفين يبدأون رحلتهم في التأليف بعد مشوار طويل مع القراءة ، وهذا ما حدث معي شخصياً ؛
فمنذ الصغر بدأت رحلتي مع القراءة في المرحلة الإبتدائية ، ثم في المرحلة المتوسطة اخترت من مكتبة والدي رحمه الله كتب كبيرة ( من أمهات الكتب ) لا يقرأها سوى الكبار ، وكنت أغوص في قراءتها من المقدمة وحتى الخاتمة ، دون أن يفوتني حرف واحد ،
وكنت كثيراً ما أواجه صعوبات في فهم بعض النقاط أثناء القراءة ، لذا كنت أضع خطوطاً تحتها بالقلم الرصاص ، ثم أستفسر من والدي عنها وعن معناها وشرحها بالتفصيل ، وأحرص على فهم كل ما ورد فيها ،
وقد أنهيت في الصف الثالث المتوسط قراءة ثلاثة كتب كبيرة من مكتبة والدي شرحا وتفصيلا ، وبعدها مباشرة بدأت بقراءة تفسير القرآن الكريم كاملا ، من باب ( الفضول المحمود ) وذلك لمعرفة شرح الآيات ، حيث كانت تواجهني أثناء القراءة العديد من الآيات التي لا أفهم معناها ، مما حفزني لقراءة التفسير كاملا مع أسباب النزول ، ولله الحمد أصبح لدي إلمام بأهم أمور الدين ، وحين لاحظ والدي حرصي الشديد على معرفة وفهم كل مايدور حولي ، طلب مني رحمه الله أن أبدأ بقراءة أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام ( من شرح البخاري ومسلم ) وكنت وقتها في إجازة العطلة الصيفية ، وقد تخرجت من المرحلة المتوسطة ،
ثم بعد ذلك بدأت بالكتابة والتأليف في المرحلة الثانوية ، فكتبت الكثير من المواضيع على مستوى أنشطة المدرسة ،
وفي الصف الثاني ثانوي كتبت مقالا لصحيفة الجزيرة التي كانت آنذاك صحيفة ورقية ( قبل الرقمية )
وكان ذلك هو أول مقال نشر لي في الصحف المحلية ، حيث كان له وقع عظيم في نفسي ، وأنا أحتفظ بالعدد الذي ورد فيه مقالي ،
و بعد ذاك توالت كتابة المقالات في صحف متنوعة ،
وفي عام 1426 قمت بإصدار أول كتاب لي وهو كتاب في العقيدة يحوي على 155 صفحة ، وكان هذا الإصدار هو نقطة التحول بالنسبة لي ،

حيث تكمن التحديات والصعوبات التي واجهتني في توقيت زمن مؤلفاتي وكتاباتي ،
فقد عاصرت زمن ( النحت على الصخر )
نعم ، حيث لم يكن إصدار الكتب وكتابة المقالات في الصحف كما هو الآن من السهولة والتيسير ، وإنجاز الأعمال كلها ( عن بعد ) والتي جعلتني أغبط المؤلفين والكتاب في هذا العصر الذهبي ..

لقد كان وقت إصدار كتابي في وقت مضى من ذلك العصر يتطلب خطوات ليست باليسيرة ، حيث أن أي إصدار أو تأليف كتاب يتم عن طريق إجراء خطوات كثيرة ( وجميعها تتم حضوريا ) فلا يوجد شيء يتم
(عن بعد) كما هو حاصل الآن ،

وإستخراج الفسح للكتاب الواحد من وزارة الإعلام يتطلب الحضور للوزارة ويأخذ وقتا قد يمتد لعدة أشهر  حتى تتم الموافقة على فسح الكتاب ، ثم يتم التواصل معك من قبلهم لتذهب إليهم حضوريا مرة أخرى لاستلام الفسح !! ،
كان ذلك هو عام 1426 وهو العام الذي صدر فيه أول كتاب لي ، بهذه الصعوبات والتحديات ، وكانت الأقلام النسائية في ذلك الوقت نادرة ،
و لم تكن معدومة ولكنها قليلة جدا ( بمعنى أني كنت مع الأوائل ) وهذا شرف لي .
وجدير بالذكر أن أذكر لكم موقف صاحب السمو الملكي الأمير/ نايف بن عبدالعزيز آل سعود رحمه الله والذي كان يشغل آنذاك منصب وزير الداخلية ، حين تم عرض كتابي عليه ( عن طريق والدي رحمه الله ) أمر بشراء عدد خمسة الآف نسخة من الكتاب ، لتوزيعها على منسوبي الوزارة ، وقد كتب في الخطاب الأمر بالشراء متضمنا العبارة التالية والتي لم أنساها أبدا لسموه ، حيث كتب : ( وتشجيعا منا للأقلام النسائية ؛ أمرنا بشراء عدد … الخ ) ثم كتب بين قوسين بخط يده ( ومثلها يشجع ) في إشارة لي ،
رحمه الله رحمة واسعة ، فكانت كلماته بمثابة الدعم المعنوي لي .

ومن المواقف الطريفة التي حصلت معي في إصدار كتابي الأول ، أنني كنت أجهل العدد اللازم للطباعة ، حيث أني طلبت طباعة عدد عشرة الآف نسخة ، بمبلغ أكثر من 36 ألف ريال والتي تكفل والدي بدفعها يرحمه الله ، وذلك مع إصراري الشديد ! ،
وطبعا هذا الأمر غير مألوف أبدا عند دور النشر في طباعة أي كتاب ، حيث من المفترض أن يطبع الكاتب من الطبعة الأولى فقط ألف نسخة لاغير ، وبعد تسويق الكتاب ونفاذ الألف نسخة الأولى ، يعاد طباعة ألف نسخة أخرى ، وهكذا ، وهذا هو المعتمد في دور النشر كافة ، ولكن لصغر سني ولجهلي بهذه الأمور ولكونه أول إصدار لي فقد غامرت بهذه الحركة ، والتي أصبحت الآن طرفة عند أهلي كلما تذكروها .

ومع مقارنة ما عانيته من إجراءات إصدار الكتاب وبين إجراءات العصر الحالي لرأيت الفرق الكبير ، فالآن ولله الحمد تستطيع أن تستخرج فسح الكتاب وأنت تحتسي قهوتك في منزلك ( عن بعد ) وفي خلال دقائق معدودة ..

وكما هي الصعوبة في إجراءات إصدار كتابي الأول ، كانت أيضا وبنفس الصعوبة كذلك كتابة مقالاتي في الصحف الورقية آنذاك ، حيث لم تظهر بعد الصحف الإلكترونية ، كما هي عليه الآن ،
حيث كنت في ذلك الوقت أعطي والدي رحمه الله مقالاتي مطبوعة على ورق  ليذهب بنفسه لمقر الصحيفة ويسلمها ورقيا ( حضوري )  إلى صحيفة الجزيرة التي كانت آنذاك صحيفة ورقية ( قبل الرقمية ) وكنت أكتب فيها دوريا بشكل أسبوعي .
ثم بعد فترة تطور الأمر قليلا  فأصبحت أرسل لهم مقالاتي عبر إيميل الصحيفة ثم ينزل المقال ورقيا …الخ .

فهل بعد ذلك تتأمل التطور الكبير الذي وصلت إليه الكتابة والتأليف في هذا العصر ؟!
فمؤلفو وكتاب هذا العصر محظوظون جدا ، حيث يعتبر هذا العصر حقا هو العصر الذهبي ، بمعنى الكلمة ” عصر الراحة والدعة ” ، فلله الحمد على ذلك .
………………..

كاتبة ومؤلفة

ابتسام عبدالعزيز الجبرين

نائبة رئيس التحرير

‫6 تعليقات

  1. رحلة القلم مع الإنسان رحلة نبيلة، كرحلة الأنبياء والرسل مع أقوامهم، كلها أمانة وصدق ووفاء.
    القلم سفير جميل للعقل ، إذا أحسن المرء استخدامه في الكتابة صار مثل القطعة الثمينة التي يكتب عليها لا تباع نظرًا لشدة غلاء ثمنها.
    أ/ابتسام رحلتك مع القلم رحلة نبيلة ، وثمينة، رحلة تتمازج بين التعاظم والتسامي.
    رحلة تناغم بين الميلاد الرشد.
    كل التوفيق لقلمك النبيل.

    1. الكاتب المبدع أ . علي ، كلماتك وتعليفك وتشجيعك المستمر والدائم للزملاء والزميلات في الصحيفة هو من نبل ودماثة أخلاقك وتواضع معاليك ، فشكرا ثم شكرا لكل ماسطرته من أحرف ، وكلمات ، وشكرا لمرورك العطر على مقالي المتواضع💐

  2. الكاتبة والمؤلفة المبدعة أ ابتسام..
    إنه لمشوار طويل حقاً ولكن محطاته رائعة وثرية ولها وقع خالد في النفس وطيب في الذكر كتبت وأوجزت ولكن لمست معك طول وشدة تلك الفترة ثم وصلت للنجاح الجميل والبصمة المؤثرة التي نمت لديك هذه المَلَكَة المميزة في الكتابة والقدرة على الاستمرارية بين العهدين وماحدث بينهما من تفاوت وتطور في الإمكانات والتغيير الرائع الذي وصلنا إليه بفضل الله في ظل دولتنا الحبيبة ..
    رحم الله والدك الداعم الأول لك ..
    ووفقك الله ، وتمنياتي لك بالمزيد..
    ومنا لأعلى ياغالية

    1. مرحبا بكاتبتنا المبدعة صاحبة القلم المتميز ، لقد أسعدني جدا أن حاز مقالي على ذوقك الرفيع ، فكلماتك الجميلة هذه ؛ بمثابة الداعم الأساس لي ، فشكرا ثم شكرا لك يا مبدعتنا الرائعة ..

      وتقبلي تحياتي💐

  3. أستاذنا العظيم أبو سلطان / رئيس تحرير صحيفتنا الغراء ..
    شكرا جزيلا لك على هذا الدعم والتشجيع ، وعلى هذه القراءة التفصيلية والمركزة لمقالي المتواضع ،
    شاكرة لك مرورك العطر ، وأسعدني جدا أن المقال نال على استحسان ذائقتك المترفة💐
    وتقبل تحياتي .

  4. الأستاذة الكاتبة والمبدعة ابتسام عبدالعزيز الجبرين.

    قرأتُ مقالكِ الشيق “رحلتي مع التأليف والكتابة بين عهدين” بإعجاب كبير، ووجدتُ في كلماتكِ تأريخاً شخصياً نابضاً بالحياة، مليئاً بالتحديات والإنجازات التي تُلهم وتُحفز، فرحلتكِ مع القراءة منذ الصغر وحتى الوصول إلى مرتبة التأليف والنشر تُعدُّ نموذجاً يقتدي به كل من يسعى وراء حلمه رغم الصعوبات.

    لقد لفت نظري وصفكِ الدقيق للفروقات الكبيرة بين ما كان عليه التأليف في زمنكِ وبين ما هو عليه الآن ، ولا شك أن التطور التقني الذي نعيشه اليوم جعل الأمور أسهل بكثير مما نتصور ، إلا أن ذلك لا يقلل من قيمة الجهد العظيم الذي بذلتهِ في تلك الفترة. فقد كان الحماس والشغف وقودكِ للاستمرار، رغم العقبات التي واجهتكِ.

    و قصة دعم صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز – رحمه الله – لكِ قصة أخرى ملهمة، تعكس مدى تقديره للأقلام النسائية في زمن كانت فيه تلك الأقلام قليلة ونادرة ، ودعمه رحمه الله لك لا يقتصر على الجانب المادي فحسب، بل يمتد ليشمل دعمه المعنوي الذي ساعدكِ على المضي قدماً في مسيرتكِ.

    أما عن طرفة طباعة 10,000 نسخة من كتابكِ الأول، فهي ليست مجرد موقف طريف بل هي دليل على حماسكِ الكبير ورغبتكِ في نشر ما كتبتهِ على أوسع نطاق ، وكم هو رائع أن نرى كيف تحولت تلك المغامرة إلى ذكرى جميلة تتداولها الأسرة بين الحين والآخر.

    في الختام، أود أن أشكركِ على سرد هذه الرحلة الأدبية الثرية، والتي تعكس أصالة تجربتكِ وقوة إرادتكِ ولا شك ، ومقالكِ هذا سيظل مصدر إلهام لكل من يطمح في دخول عالم الكتابة والتأليف.
    مع تمنياتي لكِ بمزيد من النجاح والإبداع في مسيرتكِ الأدبية ، و تقبلي فائق تحياتي وتقديري.
    أخوكم / أبو سلطان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى